نماذج مضيئة من تاريخ نساء الأمة الأطهار نسوقها في زمن تحارب فيه العفة وتحارب الفضيلة وتشوه الأخلاق الإسلامية ويحاول أعداء الإسلام من خارج دياره و والمنافقين من داخلها أن يعرقلوا مسيرة صانعة الأجيال ومربية الأبطال ومنبع الصالحين.
تارة نجد الحرب تشتد على الحجاب فلما يئس القوم شاهت وجوههم انتقلوا إلى الحرب على النقاب, ومعه إباحة الإختلاط وتشجيعه.
دخلوا على فتاة الإسلام بالشهوات والشبهات, فأغرقوا الفضائيات بالدعارة والفجور والعهر ليؤججوا نار الشهوات وسعيرها في قلوب شباب الأمة الأطهار, وليقتلوا غراس الخير العفاف في قلوب الشباب بسموم مستنقعاتهم العفنة.
ثم أزدادت الحرب فرموا بنات الأمة بالشبهات الجارفة التي لاتخدش الحياء فحسب بل تنتزع الشرف انتزاعًا من خلال نشر ما عرف بالزواج العرفي بين شباب الجامعات دون ولي ولا إشهار, وغيره من أنواع المجون وألوان العهر.
لذا أحببت أن أعيد إلى ذاكرة المسلمة الناشئة التي تنتظر منها أمتها الإسلامية أن تصنع لها مجدها المقبل وتعد لها جيلها القادم فالأمانة التي تتحملها كل فتاة مسلمة أمانة عظيمة, فهي أم لحاملي الرسالة الإسلامية عبر التاريخ, هي أم لمن إبتعثهم الله مبشرين ومنذرين لكافة الأمم وسائر البشر.
وهذه الصور مختارة منقولة من كتاب صفة الصفوة للإمام ابن الجوزي والإصابة لابن حجر وسير أعلام النبلاء وفتح الباري وصحيح الإمام مسلم رحمهم الله:
أم عمارة المقاتلة المجاهدة أشجع النساء:
أم عمارة واسمها نسيبة بفتح النون وكسر السين بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية أسلمت وبايعت وشهدت أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضية ويوم اليمامة.
وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «ما التفت يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني»
قال الواقدي قاتلت يوم أحد وجرحت إثنتي عشرة جراحة وداوت جرحا في عنقها سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم.
وعن محمد بن إسحاق قال وحضرت البيعة بالعقبة امرأتان قد بايعتا. إحداهما نسيبة بنت كعب وكانت تشهد الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدت معه أحدا وخرجت مع المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر في الردة فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة. رضي الله عنها ورحمها.
أكرم مهر في تاريخ الإسلام مهر أم سليم:
عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت أما إني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا إمرأة مسلمة فان تسلم فذلك مهري لا أسالك غيره فأسلم أبو طلحة وتزوجها.
وعنه إن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت يا أبا طلحة الست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشبة نبتت من الأرض نجرها حبشي بني فلان قال بلى قالت أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان لئن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره قال حتى أنظر في أمري فذهب ثم جاء فقال أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالت يا أنس زوج أبا طلحة.
عن أنس بن مالك قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت ما مثلك يرد ولكن لا يحل أن أتزوجك أنا مسلمة وأنت كافر فان تسلم فذاك مهري لا أسالك غيره. فأسلم فتزوجها.
قال ثابت فما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سليم الإسلام.
أم سليم القدوة عند المصاب بالولد:
وعن ان أنس أيضا: «كان ابن لأبي طلحة يشتكي. فخرج أبو طلحة. فقبض الصبي. فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان. فقربت إليه العشاء فتعشى. ثم أصاب منها. فلما فرغ قالت: واروا الصبي. فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال ( أعرستم الليلة ؟) قال: نعم. قال (اللهم بارك لهما) فولدت غلاما. فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم. فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم. وبعثت معه بتمرات. فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أمعه شيء ؟) قالوا: نعم. تمرات. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها. ثم أخذها من فيه. فجعلها في في الصبي. ثم حنكه، وسماه عبدالله» [صحيح مسلم].
وقد روى لنا من طريق آخر أن الولد الذي مات كان اسمه حفص وكان قد ترعرع.
من مواقف أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين:
رضي الله عنها أسلمت بمكة قديما وبايعت وشقت نطاقها ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت واحدا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عصاما لقربته فسميت ذات النطاقين. تزوجها الزبير وكانت صالحة كانت تمرض المرضى فتعتق كل مملوك لها.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما رأيت امرأتين أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا كان اجتمع عندها قسمت، وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئا لغد. [رواه البخاري].
موقفها البطولي عند الهجرة:
وفي أثناء الهجرة التي هاجر فيها المسلمين من مكة إلى المدينة، وظل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينتظر الهجرة مع النبي صلى الله علية وسلم من مكة، فأذن الرسول صلى الله علية وسلم بالهجرة معه، وعندما كان أبو بكر الصديق رضي لله عنه يربط الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به الزاد الطعام والسقا فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي صلى الله علية وسلم يرى ذلك كله، فسماها أسمـاء ذات النطــاقين رضي الله عنه، ومن هذا الموقف جاءت تسميتها بهذا اللقب. وقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «أبدلك الله عز وجل بنطاقك هذا نطاقين في الجنة»، وتمنت أسماء الرحيل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبيها وذرفت الدموع، إلا إنها كانت مع أخوتها في البيت تراقب الأحداث وتنتظر الأخبار، وقد كانت تأخذ الزاد والماء للنبي صلى الله علية وسلم ووالدها أبي بكر الصديق غير آبهة بالليل والجبال والأماكن الموحشة، لقد كانت تعلم أنها في رعاية الله وحفظه ولم تخش في الله لومة لائم.
وفي أحد الأيام وبينما كانت نائمة أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه، سألها عن والدها، فأجابت: إنها لا تعرف عنه شيئًا فلطمها لطمة على وجهها طرحت منه قرطها.
أسماء المتوكلة على الله حافظة غيب أبيها راعية جهاده:
لما خرج الصديق مهاجرًا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل معه ماله كله، ومقداره ستة آلاف درهم، ولم يترك لعياله شيئًا. فلما علم والده أبو قحافة برحيله -وكان ما يزال مشركًا- جاء إلى بيته وقال لأسماء: والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه، فقالت له: كلا يا أبتِ إنه قد ترك لنا مالاً كثيرا، ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال و ألقت عليه ثوب، ثم أخذت بيد جدها -وكان مكفوف البصر- وقالت: يا أبت، انظر كم ترك لنا من المال، فوضع يده عليه وقال: لا بأس إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن. وقد أرادت بذلك أن تسكن نفس الشيخ، وألا تجعله يبذل لها شيئًا من ماله ذلك لأنها كانت تكره أن تجعل لمشرك عليها معروفًا حتى لو كان جدها.
وروى عروة عنها، قالت: «تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شي غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: ( إخ إخ ). ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك ، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك خادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني» [صحيح البخاري].
كانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ (قباء) عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمِل المولود الأول إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين.
وعن ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر إن أسماء في ناحية المسجد -وذلك حين صلب ابن الزبير- فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله; فاتقي الله واصبري. فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
وفي خلافة ابنها عبد الله أميرًا للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت عن رسول الله بشأن الكعبة فقال: إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم. فإن قريشا، حين بنت البيت، استقصرت. ولجعلت لها خلفا» [صحيح مسلم]. فذهب عبد الله بعدها وأمر بحفر الأساس القديم، وجعل لها بابين، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح ابنها ليعمل بأمر الله ورسوله.
وقبيل مصرع عبد الله بن الزبير بساعاتٍ دخل على أمه أسماء -وكانت عجوزًا قد كف بصرها- فقال:
السلام عليك يا أُمَّه ورحمة الله وبركاته. فقالت: وعليك السلام يا عبدا لله ما الذي أقدمك في هذه الساعة، والصخور التي تقذفها منجنيقات الحَجَّاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزًا؟! قال: جئت لأستشيرك. قالت: تستشيرني في ماذا؟! قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين. وأرسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟ فعلا صوتها وقالت: الشأن شأنك يا عبد الله، و أنت أعلم بنفسك. فإن كنت تعتقد أنك على حق، و تدعوا إلى حق، فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك. وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك. قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة. قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختارًا، فيلعب برأسك غلمان بني أمية. قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثِّلوا بي. قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فأشرقت أسارير وجهه وقال: بوركتِ من أم، وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت، والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت، وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها، وإنما غضبًا لله أن تستباح محارمه. وهاأنذا ماض إلى ما تحبين، فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل.
قال: كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل. لا أقول ذلك تزكية لنفسي؛ فالله أعلم مني بي، وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك. فقالت: الحمد لله الذي جعلك على ما يحب و أُحب. إقترب مني يا بني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك.
يقول ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: «لما قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر، فقال لها: يا أمة! إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة؛ ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت. فقال الحجاج: مبير المنافقين!» [صحيح البيهقي].
وروي أيضا من حديث عروة قال: «دخلت أنا وعبد الله ابن الزبير على أسماء قبل قتل عبد الله بعشر ليالي وأسماء وجعة فقال لها عبد الله كيف تجدينك قالت وجعة قال إني في الموت فقالت لعلك تشتهي موتي فلذلك تتمناه فلا تفعل فوالله ما أشتهي أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك أو تقتل فأحتسبك وإما أن تظفر فتقر عيني فإياك أن تعرض عليك خطة فلا توافقك فتقبلها كراهية الموت وإنما عنى ابن الزبير ليقتل فيحزنها ذلك» [صحيح الأدب المفرد].
توفيت أسماء بعد قتل ابنها عبد الله رضي الله عنه بليال.
أم أيمن تأتيها القربة من السماء لترتوي:
عن عثمان بن القاسم قال خرجت أم أيمن مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد وهي صائمة في يوم شديد الحر فأصابها عطش شديد حتى كادت تموت من شدة العطش قال وهي بالروحاء أو قريبا منها قالت غابت الشمس و إذا أنا بحفيف شيء فوق رأسي فرفعت رأسي فإذا أنا بدلو من السماء مدلى برشاء أبيض قالت فدنا مني حتى إذا كان بحيث أستمكن منه تناولته فشربت منه حتى رويت قالت: فلقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف في الشمس كي اعطش فما عطشت بعدها. ابن الجوزي (صفة الصفوة).
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط الفارة بدينها إلى الله:
أسلمت بمكة وبايعت قبل الهجرة وهي أول من هاجر من النساء بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهاجرت في هدنة الحديبية.
عن ربيعة بن عثمان وقدامة قالا لا نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمة مهاجرة إلا أم كلثوم. قالت كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي فأقيم بها الثلاث والأربع وهي ناحية التنعيم ثم أرجع إلى أهلي فلا ينكرون ذهابي البادية حتى أجمعت المسير فخرجت يوما من مكة كأني أريد البادية فلما رجع من تبعني إذا رجل من خزاعة قال أين تريدين؟ قلت: ما مسألتك ومن أنت؟ قال رجل من خزاعة. فلما ذكر خزاعة إطمأننت إليه لدخول خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده. فقلت إني امرأة من قريش وإني أريد اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا علم لي بالطريق. فقال أنا صاحبك حتى أوردك المدينة. ثم جاءني ببعير فركبته فكان يقود بي البعير ولا والله ما يكلمني بكلمة. حتى إذا أناخ البعير تنحى عني فإذا نزلت جاء إلى البعير فقيده بالشجرة وتنحى إلى فيء شجرة حتى إذا كان الرواح حدج البعير فقربه وولى عني فإذا ركبت أخذ برأسه فلم يلتفت وراءه حتى أنزل فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة فجزاه الله من صاحب خيرًا. فدخلت على أم سلمة وأنا منتقبة فما عرفتني حتى انتسبت وكشفت النقاب فالتزمتني. وقالت هاجرت إلى الله عز وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت نعم وأنا أخاف أن يردني كما رد أبا جندل وأبا بصير وحال الرجال ليس كحال النساء والقوم مصبحي قد طالت غيبتي اليوم عنهم خمسة أيام منذ فارقتهم وهم يتحينون قدر ما كنت أغيب ثم يطلبوني فان لم يجدوني رحلوا. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة فأخبرته خبر أم كلثوم فرحب بي وسهل. فقلت إني فررت إليك بديني فأمنّي ولا تردني إليهم يفتنوني ويعذبوني ولا صبر لي على العذاب إنما أنا امرأة وضعف النساء إلى ما تعرف. وقد رأيتك رددت رجلين حتى امتنع أحدهما, فقال إن الله عز وجل قد نقض العهد في النساء وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم وكان يرد النساء. فقدم أخواها الوليد وعمارة من الغد فقالا أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه فقال قد نقض الله العهد فانصرفا. قلت وأعلم أن نقض العهد في النساء معناه نزول الإمتحان في حقوقهن. فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتحن النساء بعدها وذلك انه كان يقول لهن والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام وما خرجتن لزوج ولا مال فإذا قلن ذلك تركهن ولم يرددن إلى أهليهن وكانت أم كلثوم عاتقا حينئذ فتزوجها زيد بن حارثة. فلما قتل عنها تزوجها الزبير.
وبعد هذه المواقف المضيئة, أين أنت أخيتي في الله, إن كنت على الطريق نفسه فأسأل الله لك الثبات والتوفيق, إن كنت غير ذلك فثم طريق أم عمارة فاسلكيه.