السلام عليكم
عندما نزل القرآن تحدى أشياء كثيرة ومنها حواجز الغيب سواء الزمان أو المكان
القرآن الكريم
القرآن الكريم
ليس كمثله كتاب!
كتبه شديد القوي، علام الغيوب، السميع البصير، العليم الخبير، الحليم العظيم، الله جل جلاله فجمع كل شيء حتي لا نجد كلمة يمكن وصفه بها سوي المعجزة، ومعجزة القرآن تختلف عن كل المعجزات الأخري، لأنها المعجزة التي كتب الله لها الخلود، فالمعجزة عند الرسل تحدث كحادثة أو موقف ويتم تخليده بذكره في القرآن الكريم لكن إعجاز القرآن ممتد علي مدار الأجيال المتعاقبة ولا ينتبه إليه العقل إلا بعد أن ينشط ويستكشف حقائق الكون وأسراره، حينئذ يتبين أن للقران وجوه إعجاز جديدة تزيد من معني الإعجاز وتعطي أبعادًا جديدة لما يقال كما أن للقرآن عطاء لكل جيل يختلف عن عطائه للجيل السابق، فلا ندرك معاني بعض الآيات إلا من خلال بعض الحوادث لنعلم أن آيات القرآن مثلاً تحتمل معاني وحكمًا ومواعظ وأفكارًا أكبر من كل ما جاء به المفسرون في كل الأزمان وليس أمامنا إلا أن ننتظر لقاء الله لنلم بكل هذه المعاني، وهذا هو سر عظمة معجزة القرآن الكريم إننا لن نصل إليها بأكملها مهما وصلنا من العلم لأن المعجزة في جوهرها هي خرق لقوانين الكون يعطيها الله لرسله ليدل علي منهجه وليؤكد للناس أنهم رسله وهنا تقف قوانين البشر عاجزة!
1- تاريخ القرآن :
أنزل القرآن في بضع وعشرين سنة وربما نزلت الآية مفردة أو عدة آيات وذلك حسب الحاجة التي تكون سبباً للنزول فإذا أنزل بأكمله مرة واحدة لاختلط الحق بالباطل عليهم لأنهم قوم لا يدرسون ولا يتدبرون ولكن نزول الآيات مفردة كان له أبلغ الأثر في نفوسهم لأن ذلك منح لهم وقتًا كبيرًا للتفكر في الآيات، وكان ابتداء الوحي سنة 611 للميلاد بمكة المكرمة ثم هاجر منها النبي عام 622 إلي المدينة وبهذا نزل الوحي مكياً ومدنياً، وكان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن من أنفسهم أو بأمر من النبي وكان يكتب إما علي رقاع الجلود أو عظام الأكتاف والضلوع من الشاة والإبل كما حفظ في صدور الصحابة ومن المصاحف التي اختصت بالثقة كانت ثلاثة: مصحف عبد الله بن مسعود ومصحف أبيّ بن كعب ومصحف زيد بن ثابت وكلهم قرأ القرآن وعرضه علي النبي وبعد وفاة الرسول «[» تولي أبو بكر أمر الأمة الإسلامية وكانت في مدته حروب أهل الردة ومنها غزوة أهل اليمامة والمحاربون أكثرهم من الصحابة والقرّاء للقرآن فقتل عدد كبير منهم في هذه الحروب فاستدعي أبو بكر كاتب الوحي زيد بن ثابت لجمع القرآن ثم انتقل ما جمع إلي عمر بن الخطاب بعد وفاه أبي بكر إلي أن وصل لعثمان بن عفان وأسرع في نسخ القرآن بعد أن بدأ البعض يقرأ القرآن بلهجات عربية مختلفة ووصل الأمر إلي تكفير بعضهم البعض وبهذا تم القضاء علي بدايات هذه الفتنة .
2- الأسلوب القصصي للقرآن :
من الأهداف الرئيسية لنزول القرآن الكريم الهدف التربوي والأسلوب القصصي الوسيلة الأساسية للعملية التربوية والتعليمية فهي أقرب إلي التطبيق العملي من خلال عرض النماذج والشخوص الواقعية، كما أن القرآن احترم عقل الإنسان فالله يستطيع أن يخبرنا بنتائج الأمور دون استخدام أسلوب السرد ولكن عقل الإنسان يستطيع أن يستنتج الهدف من الآيات بسهولة عن طريق الأسلوب القصصي، وهناك ميزة لهذا الأسلوب ظهرت فائدتها خاصة عند بداية نزول القرآن فالأسلوب القصصي في القرآن لأخبار الأمم السابقة والرسل السابقين بأدق التفاصيل تجعل أي إنسان يستبعد أن يكون النبي «[» هو من أتي بكلام القرآن الكريم كما ادعي كفار عصره لأن البيئة التي نزل فيها القرآن كانت تجهل الكثير عن أخبار الأنبياء والسابقين إلا القليل منها ويقول الله تعالي «تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين» والله يضرب لنا الأمثال التي ترتبط بقضايا إيمانية أراد الله سبحانه أن يضعها أمام المؤمن ليزداد إيماناً وليرد بها الكافرين وإدراك الفرد للجمال الفني في القصة دليل علي الاستعداد لتلقي التأثير الديني، وللقصة في القرآن عدة أغراض منها بيان أن الدين كله من عند الله فكثيراً ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة معروضة بطريقة خاصة لتؤيد هذه الحقيقة، هناك غرض آخر هو بيان أن وسائل الأنبياء في الدعوة موحدة وأن استقبال قومهم لهم متشابه وبيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية وذلك تثبيتًا للرسول «[» وتأثيراً في نفوس من يدعوهم للإيمان، ويكثر استخدام التصوير الفني في القرآن عن طريق قوة العرض وتخيل العواطف والانفعالات في القصة القرآنية وتبدأ الشخصيات ترتسم في العقل ونستحضر المشهد كأننا نراه مثل مشهد إبراهيم وإسماعيل أمام الكعبة ومشهد نوح وابنه في الطوفان .
3-الإعجاز البلاغي للقرآن :
إعجاز القرآن يكمن في أن قائله هو الله سبحانه وتعالي، ولقد أذهلت بلاغة القرآن عند نزوله العرب وهم أساتذة البلاغة وعندما كذبوا به كان التحدي من الله بأن يأتوا بمثله فعندما عجزوا عن ذلك عندها تغير التحدي وصار بعشر سور «أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات» وعندما لم يستطيعوا أن يجيبوا نزل التحدي إلي سورة واحدة «أم يقولون افتراه فأتوا بسورة من مثله»، ومن بلاغة القرآن أنه يخاطب جميع الناس فيمكن لآية واحدة أن تؤثر في النفس مع اختلاف الثقافات والمستوي العلمي والحالة النفسية ولذلك تحير الكفار في هذا الإعجاز في مخاطبة البشر فقالوا ساحر .. لأنه لا يمكن لبشر أن يأتي بكلام يطابق كل الأحوال ومن هنا كانت مخاطبة القرآن لأحوال الناس المختلفة معجزة، وهناك إعجاز بلاغي آخر في القرآن الكريم أنه إذا قرات أي كلام منثور ثم جاء الكاتب فاستشهد ببيت من الشعر تشعر أن الكاتب انتقل من النثر إلي الشعر أي من نوع كلام إلي نوع آخر لكن في القرآن الكريم لا تشعر أنك انتقلت من نثر إلي شعر فلا نستطيع أن نقول إنه نثر أو شعر أو سجع إنما هو كلام فريد من عند الله، وكلام القرآن الكريم في غاية الدقة بحيث يعبر عن الشيء تعبيراً كاملاً فيقول الله «قل سيروا في الأرض» .. فلماذ لم يقل " قل سيروا علي الأرض ؟ ذلك لأن عندما تقدم العلم عرفنا أن الأرض ليست الماء واليابسة التي نسير عليها فقط ولكن الغلاف الجوي الذي يحيط بنا هو جزء من الأرض أيضاً إذا فنحن نسير في الأرض وهذه حقيقة علمية لم يكن يدركها العالم وقت نزول القرآن الكريم .
4-الاعجاز العلمي للقرآن:
الله تعالي يعلم بأن عددا من الناس سيقولون انتهي عصر الإيمان وبدأ عصر العلم ولذلك وضع في قرآنه ما يعجز هؤلاء الناس ويثبت أن عصر العلم الذي يتحدثون عنه قد بينه القرآن في صورة حقائق الكون ولم يكتشف العقل البشري معناها إلا في السنوات الماضية ولهذا فيجب علي بعض العلماء الحذر من اندفاعهم في التفسير وفي محاولاتهم ربط القرآن بالتقدم العلمي فيحاولون ربط كلام الله بعلمية مكتشفة يثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة، ونلاحظ في الآية الكريمة «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ » حرف السين هنا يدل علي المستقبل أي أن عطاء القرآن مستمر إلي هذا الجيل والجيل الذي يليه إلي يوم القيامة ولكن ليس معني هذا أن نحمل معاني القرآن أكثر مما تحتمل وأن نتعامل مع القرآن علي أساس أنه كتاب جاء ليخبرنا بعلوم الدنيا فالقرآن لم يأت ليعطينا علوم الفلك والهندسة بل جاء لهداية الناس ووضع الله في كتابه الكريم ما يمكن أن نرد به علي المكذبين ومن ضمنها الحقائق العلمية أي أن ذكر الحقائق العلمية في القرآن ليست غاية ولكنها وسيلة لترسيخ الإيمان بالله وصدق رسوله، ونأتي لسؤال آخر وهو: لماذا لم يفسر القرآن الكريم الآيات العلمية للذين عاصروا نزول القرآن ؟ المعروف إن حقائق الكون التي أعلنها القرآن الكريم تمس قوانين كونية كبري ينتفع بها الإنسان سواء علمها أو لم يعلمها، فالشمس والجاذبية الأرضية والليل والنهار فالملايين لا يعرفون عن الجاذبية الأرضية ولكنهم يستفيدون بقوانينها ومن هنا لم يكن تفسير مثل هذه القضايا العلمية المتقدمة ضرورة بالنسبة للذين عاصروا نزول القرآن ولذلك أعطاهم الله علي قدر عقولهم ثم فسر بعد ذلك للأجيال .. كل جيل علي حسب عقله وعلمه.
5-القرآن والغيب:
عندما نزل القرآن تحدي أشياء كثيرة ومنها حواجز الغيب سواء الزمان أو المكان وحواجز الغيب ثلاثة .. حاجز المكان أي أن أشياء تحدث في نفس اللحظة لا أعرف عنها شيئاً لأنها تحدث في مكان آخر، ثم حاجز الزمن الماضي أي الأحداث السابقة التي لم نعاصرها وحاجز المستقبل وهو ما سيحدث غداً، والقرآن يخبرنا بما حدث للأمم السابقة ويحكي لنا أشياء لم يكن أحد يعرفها وعلي لسان نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب وتتكرر في القرآن الكريم كلمة «وما كنت» في الآيات «وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم» أي أنك لم تكن هناك يا محمد .. ولكن الله هو الذي أخبر ومزق لك حجاب الزمن الماضي، ويقول الله تعالي «ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله» وفي هذه الآية قمة التحدي للذين كفروا فالله تعالي يقول لهم إنني أخبركم بما يدور في أنفسكم بما لم تهمس به شفاهكم بل قال الله تعالي إنهم سيقولون كذا وسيفعلون كذا، ثم بعد ذلك مزق القرآن حجاب المستقبل وكان لابد أن يكون الحديث عن المستقبل علي عدة مراحل .. المرحلة المعاصرة لكي يعرف أصحاب الرسالة والمؤمنون وغير المؤمنين أنه الحق .. ومرحلة المستقبل البعيد لكي تتأكد الأجيال القادمة من أنه الحق، فالله عندما يقول في سورة المسد«سيصلي نارا ذات لهب» أي أن الله يخبرنا بمصيره في المستقبل .. ألم يكن يستطيع أبو لهب أن يحارب الإسلام بهذه الآية ؟ حتي يتحدي قول الآية بأنه سيموت كافرا وأن يسلم ليس من باب الإيمان ولكن لتكذيب القرآن .. لماذا ؟ .. لأن الله يعلم أنه لن يأتي إلي عقل أبي لهب بفكرة تكذيب القرآن فالله يعرف ما يدور بخاطر العباد وهذا تأكيد أن هذا القرآن ليس من صنع بشر ولكنه من عند الله، وقد وصل الحديث إلي غير العرب فبعد هزيمة الروم من الفرس نزل قول الله تعالي «غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَي الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» أي أن الله اخبر من عاصروا الواقعة بأن الروم سينتصرون بعد ذلك علي الفرس وبذلك أنبأهم بما سيحدث لهم قبلها بسبع أو ثماني سنوات لعلهم يؤمنون.
6- ويفترون عليه !
بعض المستشرقين ادعوا أن هناك تناقضًا في القرآن الكريم ويحاولون أن يأخذوا أهم ما في المعجزة وهي أنها كلام الله تعالي وبالتالي فإن وجود أي تناقض ولو ظاهرياً يساعدهم علي هدم المعجزة والادعاء بأن كلام القرآن ليس من عند الله، ففي سورة المجادلة يقول تعالي «لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ» ثم يقول سبحانه في سورة لقمان «وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا» فيأتي من يشكك في القرآن بأن في الآية الأولي يقول لا تودهم وفي الآية الثانية يقول وصاحبهما معروفاً .. فكيف يستقيم أمران مختلفان في شيء واحد ؟ والرد ببساطة هو أن المعروف يفعله المرء سواء لمن يحب أو لمن لا يحب فمساعدتنا لأحد المارة في الطريق حتي مع عدم معرفتنا به تعد معروفاً، ولكن المودة مكانها القلب فأنت لا تود إلا من تحب وإذا كان القلب مع انسان غير مؤمن فهو قلب غير مؤمن والله لا يجعل لك قلبين في صدرك «مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» فأغلب ما يستخدمه المستشرقون في الهجوم علي القرآن ناتج عن جهلهم بمعاني اللغة العربية .
7- إنا له لحافظون
كل رسول بُعث و معه معجزة وكتاب ومنهج فمعجزة موسي العصا ومنهجه التوراة ومعجزة عيسي الطب ومنهجه الانجيل لكن رسول الله «[» معجزته هي منهجه ليظل المنهج محروساً بالمعجزة وتظل المعجزة محروسة بالمنهج وعندما أنزل الله سبحانه القرآن قال «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» ذلك لأن أولاً القرآن معجزة وكونه ذلك لابد أن يبقي بهذا النص وإلا ضاع الإعجاز وثانياً لأن الله جرب عباده في الحفاظ علي الكتب السابقة فلم يحفظوها وحرفوها، والله يثبت لنا أنه حتي وإن غفل العباد عن تطبيق القرآن والعمل به ازداد خط الحفاظ عليه لأن العباد هم المكلفون بالعمل ولكن الله سبحانه هو الذي يحفظه فكلما مر الزمن زاد بشكل عجيب.
حتي لو عن طريق أُناس لا يؤمنون به فتري رجلاً ألمانيا يكتب القرآن كله في صفحة واحدة ويخرجه بشكل جميل وهو ربما لم يقرأ القرآن في حياته كما نري العديد من المصاحف في كل منزل حتي وإن هجرها أصحابها ومن هنا فالله تعالي يريد أن يبين لنا أن الذي يحفظ القرآن هو الله حتي وإن نقص العمل به فالله في غني عن العباد وهو من أنزل الذكر وهو خير حافظ له .
مراجع:
_ معجزة القرآن .. محمد متولي الشعراوي
> من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره
علي بن أبي طالب
> النفاق: هو أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به
حذيفة بن اليمان
> إن مصدر خشيتي علي الإسلام هو موقف العرب من دينهم ، فهم يريدون أن يدخلوا بغير دين في معركة دينية
محمد الغزالي
> احرص علي ما ينفعك ودع كلام الناس، فإنه لا سبيل إلي السلامة من ألسنة العامة
الشافعي
من عرف نفسه لم يضره ما قال الناس فيه .. مالك بن دينار