خاطب الله تعالى رسوله بهذا الاستفهام الاستنكارى عندما كان منهمكاً فى محاولة هداية بعض علية القوم، وشغله هذا عن إجابة رجل أعمى فقير من عامة المسلمين، جاء يسأله عن مسألة.
وليست أهمية الجملة فى مبناها اللغوى وأنها استفهام استنكارى، ولكن أيضًا فى معناها، لأنه من البداهة أن مهمة الرسول هى هداية الناس، وأنه كان منهمكاً فى إحدى محاولات تحقيق الهداية التى كان يرجى من ورائها كسب كبير للمؤمنين، ولكن ذلك شغله عن الرد على رجل جاء يسأل ويطلب المعرفة، وأدخل هذا عنصرًا «طبقيًا» فى القضية، والإسلام يُسوى بين الناس جميعًا، بل قد يجعل للفقير والضعيف أولوية، ومن هنا جاء الاستنكار.
أتصور أنه لو لم يوجد هذا العنصر ــ ليوجه القرآن الرسول لأن يقصد فى الطلب ــ حتى لو كان الطلب هو الهداية، لأن مهمة الرسول هى عرض الهداية دون تحقيق الهداية بالفعل، لأن مهمة الرسول مقصورة على التبليغ، أما الهداية فإن الله وحده هو الذى يهدى، وهو الذى يهدى من يشاء.
وأن تقتصر دعوة الرسول على البلاغ، فهذا ما تصوره آيات عديدة، بينما جردت آيات أخرى عديدة الرسول من أى سلطة خلاف التبليغ، فهو ليس مسيطرًا، ولا حفيظاً، ولا حتى وكيلاً عن الناس، والحكمة التى قد تدق على الناس فى هذا أن الله تعالى يريد أن يكون الناس أحرارًا عندما يعتنقون الإسلام، وأن يأتى هذا الاعتناق دون أى عنصر من عناصر الضغط حتى لو كان مضمرًا كشدة الإلحاح،
ومن هنا قال القرآن بصراحة ليس بعدها صراحة: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ففى هذه الحالة يتوفر الكمال للداعية وللمدعو إليه، وتصبح العملية عرضاً وقبولاً، فلا يريد الإسلام هجرة إليه يشوبها غرض، ولا يريد فردًا يدخله لقاء جاه أو مال أو سلطة.
إن الله لا يقبل إلا طيبًا خالصاً لوجهه.
الهم اجعلنا من الطيبين يا رب استجب يا رب استجب
امين امين امين