الربح والخسارة "الخادعة" في صلح جدو مع الزمالك

على عكس ما ردده البعض ممن تابعوا بشغف كبير قضية محمد ناجي "جدو" لاعب الأهلي مع نادي الزمالك، والذين أكدوا أن النهاية الدراماتيكية للأحداث كانت غير متوقعة ومفاجئة لهم بدرجة كبيرة، يرى الغالبية العظمى أن قرار المصالحة وإنهاء الأزمة كان منتظراً على غرار معظم القضايا المشابهة، والتي مثلت الحدث والحديث بالنسبة للمصريين في فترات مختلفة سابقة، وتم إنهائها خوفاً على مصلحة اللاعبين أو نتيجة للملل من إجراءات التقاضي الرياضية الطويلة أو حتى لضغوط تمارس من جهات عليا للحفاظ على دور هؤلاء اللاعبين في المنتخب المصري حال كانوا ركائز أساسية في تشكيلته، وغيرها من الأسباب التي سمحت بتكرار الأزمة، لتأكد اللاعبين من عدم الحصول على عقاب رادع.

وعلى ذلك فإن النهاية التي آلت إليها القضية لم تكن هي المفاجأة، وإنما التوقيت، والذي يأتي بعد مؤتمر صحفي حاشد أكد خلاله الزمالك أنه سيصل بالقضية لأبعد مدى جنائياً ورياضياً، أتبعه بأيام قليلة صلح تم الإعلان عنه بشكل فجائي تقدم خلاله اللاعب بإعتذاره وتنازل عن مبلغ الغرامة المقررة عليه من قبل اتحاد الكرة للزمالك، في مقابل تنازل الأخير عن تصعيد القضية للمحكمة الرياضية.

وبعيداً عن الأوراق والمستندات وتطورات القضية من البداية وحتى النهاية، بما في ذلك المشاهد الدخيلة على الوسط الكروي برؤية نجوم الكرة داخل أروقة النيابات يدلون بأقوالهم بدلاً من اللعب في المستطيل الأخضر، سادت نغمة غريبة خلال الساعات التي أعقبت الصلح ومازالت حتى الآن، تسمي ما تحقق هو إنتصار للاعب ومحاميه على مجلس إدارة الزمالك الذي إنهالت عليه الأوصاف التي تحط من قدره وشأنه كالساذج والمتخاذل والأحمق وصاحب الفضيحة والعار، ومجلس "عبد الفتاح القصري" لأن كلمته "نزلت المرة دي"، لكن ما لم ينتبه الجميع له هو أنه لا أحد خرج منتصراً من هذه القضية، بل كان الجميع خاسراً، بعيداً عن الشو الإعلامي الذي منح البعض إنتصاراً زائفاً تدخلت فيه الأهواء والإنتماءات.

فقد حصل "جدو" على لقب المنتصر بعد إنتهاء القضية، وحصل على المجد الزائف بأنه من تلاعب بإدارة أحد قطبي الكرة في البلاد، ووضع أعضاء مجلس إدارته في موقف حرج للغاية، وأصبحوا على يديه مهددين بالسجن لثلاث سنوات أو أكثر، غير أن من يتعمق أكثر في حقيقة الأمور لا يستطيع أبداً أن يطلق لفظ "المنتصر" على لاعب خدع ناديه الاتحاد السكندري وفضل عليه الزمالك، قبل أن يخون الأخير ويفضل عليه الأهلي، ومن يعلم ماذا سيكون الوضع بعد عدة سنوات حال وجد "جدو" فريق أفضل من الأهلي، وهل سيبيع أيضاً أم لا .

فجدو مثل أطراف القضية جميعهم خسر، بعدما تحول من ذلك النموذج المشرف الذي أسعد كل المصريين في أنجولا، على خلفية فوزه بلقب هداف البطولة رغم مشاركته بديلاً في جميع المباريات، إلى اللاعب الذي إرتكب جرمه بالتوقيع لناديين وتنصل من وعوده وعهوده وإقراراته بسهولة في مقابل مليون جنيه فقط دخلت خزينة اتحاد الكرة، وإرتضى أن يجر رموز نادي كبير إلى النيابة وساحات القضاء، وهو الذي لو كان إعتذر في باديء الأمر عن عدم إستكمال تعاقده مع النادي لأنهى هذا السيناريو الدراماتيكي منذ البداية.

وننتقل للحديث عن طرف آخر خرج خاسراً، وأثبت فشلاً ذريعاً في التعامل مع الأزمة وهو اتحاد الكرة المصري الذي درس القضية وفحص مستندات كل طرف ثم خرج بقرارات مثيرة للجدل، بعدما ألزم اللاعب برد مليون و200 ألف قيمة الإيصال الموقع منه للنادي الأبيض، وكأن اتحاد الكرة قد تقمص دور النيابة وأخذ يبحث الشق الجنائي للأزمة، والمتعلق بالإيصال، متناسياً أن الزمالك قدم شكواه لمعاقبة اللاعب على توقيعه لناديين، وليس لإثبات صحة تقاضيه أموالاً تنفيذاً لبنود تلك العقود أم لا .. اتحاد الكرة واصل فشله، وأضاف لسقطاته المتتالية سقطة جديدة لن تزيد أو تقلل من حجم إخفاقاته الذي فاق كل الحدود.

أما الإعلام فقد تناول القضية كل وفق إنتماءاته وأهوائه، ولم يتمكن من حسم موقفه ما بين طرفي النزاع، فهو يعلم بأن اللاعب مخطيء ولا يرغب في أن يتعرض للعقاب، ويعلم أن للزمالك بعض السقطات في الأزمة، ولا يرغب في مناقشتها صراحة، وفي النهاية إندفع وراء محامي اللاعب هشام عبد ربه ينفذ خطته دون أن يدري، وبات الجميع وكأنه يمسك في ذيل هذا الأخير ويسير ورائه، ويردد كلماته دون وعي "هل تقاضى جدو أموال أم لا"، فأيدوا بقصد أو بدون قصد إنتقال الرياضة من الملاعب والمستطيل الأخضر، إلى النيابات وساحات المحاكم، واستحسنوه، بل ووصفوا من قام بتلك الجرم بـ "المنتصر".

فهذا الإعلام هو من وقف ضد الزمالك في السابق عندما أقام دعاوى قضائية لاسترجاع إسلام الشاطر، والإعتراض على عقوبة إبراهيم سعيد المبالغ فيها من قبل اتحاد الكرة، وحذره من التسبب في عقوبات للكرة المصرية، كما أن هذا الإعلام الذي يصف مجلس الزمالك بالعار والفضيحة، هو من تعامل بهدوء وموضوعية مع سقطة مجلس إدارة الأهلي في قضية شريف أشرف، ولكنه الآن يشذ عن القاعدة ويبدي استسلاماً وخضوعاً واضحاً لاستجواب لاعبي الكرة ونجوم الرياضة في النيابات دون أن يحرك ساكناً.

ولم يكن مجلس إدارة الزمالك الذي أنهكته خسائره في الضفقات والأزمات، يتحمل سقطة أخرى جديدة تزيد من الإنتقادات الموجهة له، فهو كالعادة لم يدرس موقفه جيداً، كالعادة يتصرف بتهور، كالعادة يحاول أن ينتصر متصوراً أنه بلا منافس أو أن منافسيه وخصومه أغبياء فيصطدم بالواقع الأليم وينزل لأرض الواقع فجأة.

مجلس إدارة الزمالك الحالي أحد أكبر الخاسرين وسط أطراف القضية، لأنه أراد الإمعان في إذلال لاعب أخطأ، لكنه في النهاية يبقى صغيراً مهما كانت الظروف أمام ناد عملاق هو الزمالك، فاستخدم المستندات الخاطئة وقدمها هو نفسه بكامل إرادته لاتحاد الكرة، لتصبح دليل إدانته بعدما اعتقد إنها أحد المستندات التي تؤيد موقفه.

مجلس الزمالك بعيداً عن ألفاظ العار والفضيحة، يحتاج لإكتساب مزيد من الخبرة لإدارة كيان كبير كالزمالك، فالكلمة لم تعد عقد كما يتصورون هم حالياً وكما كانت هي في الماضي، وأصبحت الصفقات عبارة عن فيلم دراماتيكي نهايته السعيدة لن تكون إلا للاكثر استعداداً مادياً، والذي يمتلك الكوادر القادرة على حسم الأمور في اللحظات القاتلة .. المجلس الأبيض يحتاج لمزيد من التفاعل مع الإعلام لمساندة مواقفه والدفاع عنه وقت الأزمات، ويحتاج لوضع الأشخاص المناسبين في المناصب المناسبة، ولو أنه يملك هذا ما كان ليقدم على مليء مستند خطير كإيصال الأمانة دون أن يكون معه مستشار قانوني يؤكد له مدى خطورة تلك الخطوة غير المحسوبة، والتي تنم عن قصور واضح في التعامل مع القضية.

أما هشام عبد ربه محامي "جدو" والذي أصبح في يوم وليلة من المشاهير في مصر، فأخطأ هو الآخر عندم أفشى أسرار إتفاق أبرمه مع مسئولي الزمالك داخل الغرف المغلقة ثم قام بتسريب تفاصيله للصحافة والإعلام، وهو ما ظهر جلياً في أخبار متشابهة تناقلتها وسائل الإعلام وتؤكد صياغتها التي تقول "وأكد مصدر رفض ذكر اسمه........" فمن هذا المصدر الذي اطلع على تفاصيل الإتفاق كاملة حتى وصل لمعرفة لون الحقيبة التي سلم فيها الزمالك مبلغ مليون و200 ألف للاعب .. أن عبد ربه الذي قضى آخر أيام شهرته يوم الخميس الماضي في حصاد الأسبوع لدى الإعلامي مدحت شلبي حاول من خلال ايماءات وابتسامات وضحكات أن يوصل رسالة معينة للجماهير بأن لاعبه لم يدفع شيئاً، فخان الأمانة، وحق عليه أن توجه له نفس الإتهامات التي طارد بها مسئولي الزمالك في أزمة "جدو".

أما الأهلي فقد تأخر كثيراً عندما قرر إيقاف المهزلة وأمر لاعبه بالتصالح مع مسئولي الزمالك، وكان حرياً به أن يفعل ذلك من قبل أن تدهور الأمور، خاصة وأن كلمة مسئوليه لن يتم ردها عند لاعب أخطأ ويخشى أن يفقد مساندة ودعم النادي الذي يلعب له حال خالف أوامره .. وسيظل الجمهور المصري هو الخاسر الأكبر في الأزمة، ذلك أن نهاية على هذا النحو لن تجنبه أبداً رؤية مسلسلات هابطة مشابهة في المستقبل.