يتوافق في هذا العام موسم صيام شهر رمضان المبارك مع موسم توفر الثمار الطازجة لأشجار النخيل، ولئن كان من المشقة على عموم الصائمين إتمام الانقطاع عن تناول المأكولات والمشروبات طوال ساعات النهار، فإن حلول وقت لحظات مغيب الشمس يحمل لهم ذلك الأمل المفعم بالروحانية في ثبوت الأجر وقبول الصوم.
ومع البدء في تزويد الجسم بما يحتاجه من السوائل ومن مصادر الطاقة ومن العناصر الغذائية اللازمة لقيام أعضاء الجسم بوظائفها، أشارت موروثات الحكمة بشكل صريح إلى أن أفضل ما يُمكن للصائم تناوله في البداية هو رُطبات من ثمار النخل الطازجة، وإن لم يكن ثمة منها، فتمرات من ثمار النخيل الجافة بدرجة متوسطة، وإلا فالماء.
النخلة كانت ولا تزال رفيقة معيشة أهل مناطق الجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي النيل وشمالي أفريقيا والمغرب العربي، وكذلك مناطق واسعة إلى الشرق من الخليج العربي.
ونتيجة لتنبه العقلاء في مناطق شتى من العالم إلى أهمية وفوائد تلك الشجرة العامرة بالخير والفوائد، زاد الاهتمام في المناطق التقليدية لزراعة النخيل، بشتى أنواع مظاهر ذلك الاهتمام العلمي والإنتاجي والتسويقي، بل وحتى انتشرت زراعة النخيل حتى في أقاصي الأرض، شرقاً وغرباً.
ووصلت إلى الولايات المتحدة وأجزاء من القارة الأميركية، وفق برامج مدروسة لاستجلاب أفضل الأنواع من بلاد الرافدين والجزيرة العربية والمغرب العربي.
وأصبحت الولايات المتحدة ليست فقط دولة مُصدرة للتمور، بل دولة مُصدرة لأجود أنواع فسائل النخل الصغير في العمر.
وأشجار النخيل اليوم لم تعد مصدراً محتمل الجدوى فقط في جانب إنتاج التمر وتوفيره لتناول المستهلكين بشكل مباشر على الموائد أو كحلويات طبيعية مع فنجان القهوة العربية أو في أشكال متنوعة من الحلويات المصنوعة من دقيق القمح أو بالمزج مع بودرة الشوكولاتة، بل تتعدى إلى كون الثمار تلك مصدراً لاستخلاص الدبس والسكر ولإنتاج الكحول الطبي، والاستفادة من النواة الصلبة للثمار، هذا ناهيك عن استخدامات سعف أوراق النخيل وغيرها من أجزاء الشجرة كاملة.
ولكن تظل ثمة نكهة خاصة لتلك العلاقة الحميمة والأزلية، ومنذ بدء فرض الصيام على المسلمين، فيما بين الصائمين وبين شجرة النخيل.
ولئن كان في الأصل لتلك العلاقة مبرراتها البيئية، نظراً لأن أشجار النخيل وثمارها المباركة، هي سيدة إمداد أهل الجزيرة العربية بحاجتهم من الثمار الغذائية الغنية بالسكريات والألياف والمعادن والفيتامينات، والتي يُمكن بسهولة تناولها طازجة، كما يُمكن بسهولة حفظها كي تكون متوفرة في حالة جيدة للتناول طوال العام.
إلا أن هذا المبرر البيئي لم هو السبب الوحيد للعلاقة الحميمة بين الصائمين وثمار أشجار النخيل، ذلك أن مكونات ثمرة الرطب الطازج أو التمر المجفف غير “المكبوس” أو “المكبوس”، تظل هي الأنسب والأفضل لبدء الصائم في تناول الطعام بعد ساعات من العطش والجوع جراء الامتناع الاختياري عن تناول الماء والأطعمة لتحقيق إتمام شعيرة الصوم على الوجه الواجب.
تناول الناس للتمور أو الرُطب، له ثلاثة أهداف
الأول هدف غذائي عام: أي تناول منتج غذائي نباتي في أي وقت من السنة للحصول على الطاقة والمعادن والفيتامينات والألياف.
والثاني، هدف غذائي خاص: أي تناول منتج غذائي نباتي سهل في إمداد الجسم بالطاقة وسهل على الأمعاء في الهضم لمنع حصول التلبك والتخمة، وهو ما يحصل في أوقات الصوم أو العمل الشاق أو الحمل والولادة أو أوقات المرض وفترات النقاهة التالية.
والثالث، هدف علاجي: أي تناول منتج غذائي نباتي ثبتت فائدته في معالجة حالات من الاضطرابات الصحية أو الأمراض المخصوصة.
ولأن شأن التمر والرطب رفيع جداً لدى الإنسان، في المناطق العربية وغير العربية، لاعتبارات دينية صريحة في حثها على تفضيل تناولهما، ولاعتبارات غذائية بحتة ذات دوافع منطقية طبيعية، فإن عرض ملامح النظرات الصحية والطبية إلى جانب تناول ثمار النخيل يجب أن يكون عرضاً مرتباً ومٌقسماً، وهو ما يشمل خمسة عناوين:
- وبداية لدينا عنوان "التمر والرطب"، وذلك عند النظر إليهما كمنتج نباتي غذائي ذا تركيب متفاوت ومختلف، نتيجة لعوامل عدة، وذا قيمة غذائية عالية.
- ولدينا عنوان اعتياد "تناول الرطب أو التمر" من قبل الأصحاء من الناس، وفي أي مراحل العمر كانوا.
- ولدينا عنوان "تناول الرطب أو التمر"، كمصدر عالي للسكريات، من قبل مرضى السكري،
- ولدينا عنوان "تناول التمر أو الرطب" في أوقات إفطار الصائم.
- ولدينا عنوان "تناول الحوامل والوالدات حديثاً" للتمر أو الرطب.
ثمار النخيل
من أجود ما تجود به أشجار الصحاري والمناطق الحارة، ثمار النخلة. وضمن عناقيد كبيرة، تُسمى في الجزيرة العربية بالـ “عذوق”، جمع “عذق”، يتدلى انتاج النخلة من مجموعات لثمار الرطب المرصوصة بصفة “نضيدة” في العشرات من الأعواد الصفراء الطويلة التي تُسمى بالـ “شمارخ”، جمع “شمراخ”.
والنخلة البالغة تُعطي ما بين 8 إلى 16 من الـ “عذوق”، وعلية فإن النخلة البالغة، أي من بعد سن سبع سنوات من عمرها، قادرة على إعطاء ما بين 100 إلى 150 كيلوجرام من ثمار الرطب.
وتأتي ثمار النخلة، أي من الرطب، ضمن أنواع مختلفة، تبلغ الآلاف، ويُسمى كل نوع باسم خاص.
ولذا يختلف إنتاج الجزيرة العربية عن إنتاج بلاد الرافدين وإنتاج وادي نهر النيل وإنتاج شمالي أفريقيا وإنتاج المغرب العربي وإنتاج الولايات المتحدة وغيرهم من مناطق العالم المنتجة للتمور.
وحتى في الجزيرة العربية، تختلف أنواع التمور في إنتاج مناطق المدينة المنورة عن إنتاج القصيم أو إنتاج الإمارات أو إنتاج الأحساء أو إنتاج بقية مناطق جزيرة العرب.
وهذا الاختلاف في الأنواع، له تأثيرات على الاختلاف في الشكل والحجم واللون والطعم، والأهم له تأثيرات على الاختلاف في التركيب الكيمائي للمكونات من العناصر الغذائية النافعة والمفيدة.
وهناك أنواع من ثمار النخيل يتم تناولها وهي في مرحلة الثمار الطازجة، أي الرطب، وأخرى يتم تناولها في مرحلة النضج التام وشبه الجاف، أي التمر.
والتمر هناك ما يُتناول منه حبات متناثرة غير مكبوسة، أو "مكنوزة"، ومنها ما يُخزن بطريقة "الكنز" كي يتم تناوله في أي وقت من العام ولمدة طويلة.
وهناك أيضاً بالمقابل أنواع يتم تناولها في مرحلة الرطب وفي مرحلة التمر، و "مكنوزة" أو غير "مكنوزة".
وهذا التنوع الواسع في طيف توفر ثمار النخيل، يُعطي فرصة أكبر للإنسان في اختيار ما يناسب مزاجه وما يُناسب صحته وما يُناسب حاجته من تلك الثمار الغنية بالفوائد الصحية والغذائية.
قيمة غذائية متفاوتة
ولان ثمة طيفاً واسعاً من أنواع التمور، وهيئات مختلفة لتوفر الثمار تلك، فإن القيمة الغذائية تختلف فيما بين كل نوع وأخر.
ومعلوم أن القيمة الغذائية هي مُصطلح يُستخدم لعرض مكونات المنتجات الغذائية من الطاقة والماء والألياف والسكريات والبروتينات والدهون والمعادن والفيتامينات والمواد الكيميائية الأخرى.
وبالعموم، يُكون الماء نسبة تبلغ حوالي 30%، قد تزيد أو تنقص شيئاً قليلاً، من وزن ثمار النخيل حينما تكون في مرحلة الرُطب، وتقل نسبة المياه في مرحلة التمر، لتصل إلى ما يُقارب 15%، قد تزيد أو تنقص شيئاً قليلاً.
ولعل من أدق المصادر العلمية المتوفرة لتحليل القيمة الغذائية في مكونات المنتجات الغذائية، هي مختبرات وزارة الزراعة الأميركية USDA Nutrient database.
وبالمراجعة العلمية، أشارت تلك المختبرات إلى تحليل مكونات نوعين من أنواع التمور الشائعة الزراعة في الولايات المتحدة، وتحديداً في جنوبي ولاية كاليفورنيا وفي ولاية أريزونا.
والأول نوع "المجهول"، والذي تم استجلابه للولايات المتحدة من المغرب، وتتم اليوم زراعته في مناطق الجزيرة العربية.
والثاني نوع "دقلة نور"، والذي تم استجلابه من الجزائر وتونس.
وتزن الثمرة الواحدة من الأنواع الفاخرة لتمور "المجهول" حوالي 24 جرام.
ووفق إصدارات عام 2007 لمختبرات وزارة الزراعة الأميركية، فإن في كل 100 جرام من تمر، وليس رطب، "المجهول"، والخالي من نواة البذرة، حوالي 277 كالورى (سعر حراري). ويُشكل الماء نسبة 22%. والبروتينات حوالي 2 جرام. والدهون 0,15 جرام.
وتحتوي على سكريات الكربوهيدرات Carbohydrate بأنواعها بمقدار حوالي 75 جرام. منها حوالي 6,7 جرام من الألياف Fiber، و 66,5 جرام سكريات حلوة الطعم Sugars.
ومن هذه السكريات الحلوة الطعم، 34 جرام من سكر الجلوكوز Glucose الأحادي، و 32 جرام من سكر الفركتوز Fructose الأحادي، و 1 جرام من سكر السكروز Sucrose و سكر المالتوز Maltose ، الذين هما من السكريات الثنائية.
ومن المعادن، تحتوي كمية 100 جرام من التمر الخالص لنوع "المجهول"، على 64 مللي جرام من الكالسيوم، و 0,9 مللي جرام من الحديد، و 54 مللي جرام من المغنيسيوم، و 62 مللي جرام من الفسفور، و 700 مللي جرام من البوتاسيم، و 1 مللي جرام من الصوديوم، و 0,5 مللي جرام من الزنك، و 0,36 مللي جرام من النحاس، و 0,3 مللي جرام من المنغنيز.
ومن الفيتامينات، تحتوي تلك الكمية على النادر جداً من فيتامين سي، لأن الثمار تمر جاف.
بخلاف الرطب، وسيأتي الحديث لاحقاً عن الفروق بين الرطب والتمر. وعلى 1,6 مللي جرام من فيتامين نياسين. و 0,05 مللي جرام من كل من فيتامين ثيامين ورايبوفلافين. و 0,3 ملليجرام من فيتامين بي-6. و 15 مايكروجرام من فيتامين فوليت. و 2,7 مايكروجرام من فيتامين كيه K. و 150 وحدة دولية من فيتامين إيهA .
ومن المواد المضادة للأكسدة، 90 مايكروجرام من “بيتا كاروتين”،و 23 مايكروجرام من مجموع مواد “زانثين” ومواد “ليوتين”.
وبالمقارنة مع نوع "دقلة نور" من التمر، وليس الرطب، وهي الأصغر حجماً وكتلة في ثمارها عن نوع المجهول، تشير نتائج التحليل الكيميائي للمكونات الغذائية، وفق نتائج نفس المصدر الأمريكي السابق، إلى احتوائه على نفس كمية المياه، وبروتينات بمقدار 2,4 جرام، ودهون بمقدار 0,39 جرام.
وبالرغم من أن كمية سكريات الكربوهيدرات تقريباً واحدة، أي حوالي 75 جرام، إلا أن الألياف تبلغ 8 جرام، كما أن كمية السكريات الثنائية، أي سكروز و مالتوز، تبلغ حوالي 24 جرام، والبقية، أي حوالي 43 جرام، هي من السكريات الأحادية.
وكذلك تختلف كمية المعادن والفيتامينات، حيث يقل الكالسيوم، ليبلغ حوالي 39 مللي جرام.
ويقل الزنك، ليبلغ 0,3 مللي جرام، ويرتفع الحديد، ليبلغ 1 مللي جرام.
كما يرتفع الصوديوم، ليبلغ 2 مللي جرام، وتبقى في تمور "دقلة نور" كميات الفسفور والبوتاسيوم والمغنيسيوم والمنغنيز، كما في تمر "المجهول".
وكذلك تختلف كميات أنواع الفيتامينات، زيادة ونقصاً، بين نوعي التمر.
وهذا مثال تفصيلي على أن أنواع التمور ليست سواء فيما تحتويه من الطاقة، ومن السكريات الأحادية والسكريات الثنائية، ومن المعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة.
وبالمقارنة فيما بين الرُطب والتمر، كثمار طازجة وثمار جافة، فإن الاختلافات تبدو في ثلاث جوانب:
الأول يتعلق بكمية الماء العالية نسبياً في الرُطب، مقارنة بالتمر، والثاني في كمية السكريات الثنائية، التي تعلو نسبياً في غالبية أنواع ثمار التمر مقارنة بالرُطب، والثالث في وجود الفيتامينات التي تتأثر بسهولة بالعوامل البيئية، وتحديداً فيتامين سي C.