انتهت العطلة الصيفية مرت بكل أيامها الطويلة و سهراتها الحالمة و حفلاتها الرائعة و أعراسها و كل مل تحمله هذه العطلة من أفراح, لكنني تذكرت في النهاية أنني لم أحقق شيء و لم أجد بعد ما أريد وجدت نفسي وحيد........
دخلت الثانوية من جديد لكن هذا العام قسم جديد و تلاميذ جدد عوضوا أماكننا الفارغة مضى يوم و يومين إلى أن آتى اليوم الموعود, دقت العاشرة صباحا أي الاستراحة الصباح, توجهت مع صديقي إلى المكتبة لإعارة كتاب خاص بالأدب لكن الذي لم أكن انتظره أن أجد ذلك الكتاب قد تم استعارته البارحة و مازا دني من غرابة الأمر أنه كتاب منسي فهو عبارة عن مذكرات الشاعر "أبو القاسم الشابي" , سألت من استعاره فقيل لي أنها فتاة تدرس بالسنة الثانية ...فاحترت و تاهت الأفكار في عقلي و لم أجد حلا سوى أن أبحث عن تلك الفتاة و أطلب منها أن تعيرني اياه , بحثت عنها فوجدتها لكن حين طلبت منها الكتاب كانت الكلمات تتسارع إلي لساني و قلبي يخفق ...كانت ذات جمال بسيط و عينان سودا وتين و أنف صغير , بسمتها شفافة أضاءت عيوني و أبعدت عني همومي أصبحت كملاك بعث لي من السماء...
احتضنني الليل و أنا في غمرة فرحتي احتضنني و كأنني لأول مرة أرى الليل و أتمتع بجماله و في غموض نجومه و ضوء قمره...لم تفارق صورتها مخيلتي و انتابني شعور جميل فسألت قلبي فقال لا تخف فانه الحب...؟؟؟
رفعت إلى يدي ذلك الكتاب فتصفحت الفهرس فإذا بي أجد علامة على عنوان مميز اسمه"اتركني..." خفق قلبي و أدركت هذا العنوان بسرعة فوجدت فيه بعض الكلمات المتناثرة من ذكريات الشاعر, و في نهاية هذه الخاطرة اختتمها بأبيات شعرية جميلة فلمحت فيها بعض الخيال فتعمقت في النظر فإذا بها خيال دموع سقطت...سقطت من عينيها ..تلك العيون البريئة تعرف الدموع؟؟
ثم تصفحت بعض العناوين فإذا بي أجد ورقة صغيرة مكتوب عليها بعض الكلمات مكتوبة بنبرة الحزن معنونة بعنوان "اتركني" فأدركت حينها أنها هي من كتبت هذه الكلمات .
رفع النهار شعاره بأشعته لتداعب عيوني فوجدت نفسي محتضنا الكتاب , سارعت في النهوض كي ألحق على الدرس الأول و كان في العلوم الطبيعية , وصلت إلى الثانوية منهكا دخلت فإذا بي أتفاجأ لرؤية كل التلاميذ موجودون في الساحة الرئيسة ..., تنهدت قليلا ثم توجهت إلى صديقي الذي أعلمني بأن الأساتذة في إضراب مفتوح... و ما كان يكمل صديقي الحديث حتى بدا لنا المدير من أعلى شرفة المراقبة و الإدارة رافعا بين يديه مكبر الصوت ليقول لنا بأن الأساتذة يأبون التدريس حتى تحقق لهم مطالبهم و لذلك لا دراسة اليوم و سوف نفتح لكم الملعب و المدرج و المكتبة للترفيه و حتى إشعار آخر...., حينها أدركت أنه يوم راحة لي من الدراسة و يوم عظيم بالنسبة لي و لقلبي, ذهبت أبحث بين الحشود علي أجدها ..لمحتها من بعيد بين مجموعة من الفتيات, لمحتني هي الأخرى فأتت بخطوات ثابتة تسلقها تلك النظرات الغامضة....
صباح النور هذا ما قالته في البداية أحسست بأن قلبي سينفجر من االكتاب.دلتها السلام..., سألتني عن الكتاب فقلت لا تسأليني عن الكتاب بل ما يوجد داخل الكتاب ...اسأليني هل وجدت تلك الورقة تلك التي كتبتها بدموع حارقة ..اسأليني كيف هو شعوري ..و ماذا أستطيع أن أستنتج و أن أفكر..اسأليني..؟؟
سكتت و ارتبكت و لم تجد ما تقول , احتارت ما تقول و بماذا تجيب..ثم قالت: لماذا كل هذه الأسئلة الكثيرة؟
حينها صرخ قلبي بكل جنون بأنني أحبك’ حينها صرخ فؤادي وقال بأنه لم يعرف أبدا طعم السعادة مثل اليوم.. حينها صرخ عقلي و قال أنه ليس من المنطقي أن تتركها تضيع من بين يديك....
أدركت عند نهاية حديثي أن الدموع قد تلألأت في عينيها من بعيد و تفاصيل وجهها تداخلت , كأن كيانها قد اهتز ..سقطت الدمعة الأولى ثم الثانية و حتى الثالثة ثم ملكت نفسها قليلا...و قالت بعد أن عزمت الرحيل و دون أخذ الكتاب:
إن كنت تريد الحب مني فأنا لا أستطيع منحك شيء منه فها ليس في مقدوري, فأنا لا أستطيع أن أعيد الماضي ليكون المستقبل , لا أستطيع أن أتركك تتعذب و تتألم معي
فأنت لا تعرفني........
أما الأهم و الذي لم تدركه بعد أنني لا أستطيع أن أبحث لك عن عنوان جديد.............., لخاطرة جديدة؟؟؟...