الإطار القانوني والتنظيمي للموارد المائية
في دول العالم الإسلامي
علينا أن نتصور مدى صعوبة ربح رهان التنمية المستدامة في دول العالم الإسلامي، إذا كانت الأطر القانونية والتنظيمية للموارد المائية القائمة تعاني بعض الاختلالات والثغرات، واستعمال بعض هذه الدول أساليب وتقنيات لا تتماشى مع الطرق الحديثة للإدارة المتكاملة للمياه. ويجدر التذكير أن العالم الإسلامي سيواجه تحديات كبرى في الألفية الثالثة في الميدان المائي ؛ لكونه لا يتوفر على الإمكانات والوسائل الوقائية والعلاجية معاً.
إن الوضع المائي أصبح حرجاً في كثير من دول العالم الإسلامي، وإن كانت غالبيتها تخطت حاجز العجز المائي، إلا أن بعضها يعرف عجزاً مائياً في غاية الخطورة، كما أن عدم توفر أغلبيتها على الاستقلالية في مصادر مياهها، يزيد في تفاقم مشاكل التنمية. وفي ظل هذه الظروف، تبقى السياسات العامة لاستخدام الموارد المائية وإدارتها بعيدة عن المفاهيم الحديثة للإدارة المتكاملة على الرغم من المجهودات المبذولة، كما أن موضوع المياه المتشاطئة قد يزيد من استفحال الأزمة المائية في بعض دول العالم الإسلامي.
ولمواجهة هذه الوضعية، يجب تعميق البحث لاستنباط الآليات الضرورية التي تمكن من تحقيق الأمن المائي للعالم الإسلامي، من خلال إعداد استراتيجية للإدارة المتكاملة للمياه، قصد مواكبة التطورات المناخية، ومسايرة التقنيات الحديثة للتدبير، بهدف التقليص من حدة العجز المائي وانعكاساته السلبية على السكان والبيئة والتنمية المستدامة.
وبالنظر إلى التطور الهائل للعلوم المتصلة بالموارد المائية واستعمالاتها المتنوعة والمختلفة، وما يترتب عنها من المشاكل، فإن الضرورة تقتضي البحث عن التكنولوجيا الملائمة لتنمية الموارد المائية، واستنباط الآليات والتقنيات الحديثة لتقويم القوانين وتصحيحها؛ بالشكل الذي يلائم أوضاع العالم الإسلامي الراهنة والمستقبلية لتحقيق الأمن المستدام للموارد المائية.
1- مصادر التشريعات المائية في دول العالم الإسلامي
1-1 الأعراف :
وضعت التجمعات البشرية التي تشكلت حول مصادر المياه قواعد صارمة في مجال تنظيم ملكية المياه واستعمالها وتوزيعها، في ظروف جغرافية ومناخية وإنسانية مختلفة ظلت محترمة في بعض مناطق العالم الإسلامي حتى الآن. ونتيجة لتواصل استعمال هذه القواعد، فقد أصبحت لها قوة قانونية، حيث غدت مصدراً من مصادر التشريع في بعض دول العالم الإسلامي، في مجال استخدام المياه.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف الرئيس بين النظام العرفي والنظام الإسلامي في ملكية المياه، يكمن في الرابطة الموجودة بين الأرض والماء. فبالنسبة للشريعة الإسلامية، فإن ملكية الأرض هي التي تؤدي إلى ملكية المياه وفي العرف نجد العكس.
كما أن بعض المؤسسات القانونية، في إطار الشريعة الإسلامية، مثل الأوقاف، لها تأثير واضح على النظام العرفي.
1-2 المنظور الشرعي لقضايا المياه :
ركز الإسلام على أهمية الماء باعتباره مصدر الحياة. وقد وردت كلمة "ماء" في القرآن الكريم، في أكثر من خمسين آية، وأكثر من أربعين سورة. وتم التركيز على أهمية تقنين استعمال المياه والمحافظة عليها من التبذير، وحمايتها من الشوائب كافة، واستغلالها استغلالاً عقلانياً وبكامل المسؤولية.
وتعدّ الشريعة الإسلامية أحد المصادر الأساس للتشريعات المائية في العالم الإسلامي، حيث تحتوي على عدة مبادئ. و يمكن إجمال البعض منها فيما يلي :
* إن الماء قسمة مشاعة للجميع، ولا يجوز منع فضله واستعماله، رغم جواز تملك الماء لمن كانت المياه الجوفية في أرضه.
* الشرب للإنسان والحيوان، لهما الأسبقية الأولى في الاستعمالات، حتى قبل العبادات، فلا يجوز لأحد أن يمنع الإنسان والحيوان من شرب الماء.
ومن الوجهة الاقتصادية للمياه، فقد أعلن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الماء، مثله مثل النار والكلإ، حق مشترك لجميع المسلمين. وتعتبر التشريعات المائية الحديثة المياه ملكاً للمجتمع، أي ملكاً للدولة.
وهناك العديد من النصوص الشرعية تتطرق إلى موضوع استعمال المياه، والتي يمكن الرجوع إليها، كمصدر قانوني لتدبير المياه في دول العالم الإسلامي.
1 - 3 القوانين الوضعية :
تتوفر كل دول العالم الإسلامي حالياً على قوانين مائية تختلف في موضوعاتها من دولة إلى أخرى. وهذه القوانين منها ما هو حديث ومتطور، ومنها ما هو مبسط وعمومي، بما يتناسب وخصوصية كل بلد والظروف التي وضعت فيها هذه التشريعات.
أ) الوضعية الراهنة للتشريعات الإسلامية في مجال المياه :
ترجع التشريعات المائية في دول العالم الإسلامي إلى فترات متفاوتة من القرن العشرين. وقد تم وضع القوانين في ميادين متعددة ومتنوعة كالتخطيط والوقاية والتلوث والحماية... كما تم تجريب المبادرات التشاركية بين القطاعين العام والخاص، في إطار مشاريع أنجزت في مجالي توفير المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى اعتماد دراسة تقييم واقع المشاريع، وتدبير النفايات وأنظمة مراقبة التلوث بصفة عامة.
ب) مجالات إصدار التشريعات المائية :
تتمحور القوانين المائية في دول العالم الإسلامي بصفة عامة، حول تحديد نوعية المياه وطبيعة الملكية للمياه وحقوق المياه ونوعيتها والآثار المترتبة عنها، والقيود التي قد ترافقها، كما تعالج مسائل أولوية توزيع المياه، وتحديد الأولويات في مجالات تخطيط الموارد المائية وتنميتها وحمايتها واستدامة عطائها، ورفع فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما تحدد القوانين حقوق الانتفاع.
وتعالج القوانين أيضاً مجالات الحماية لكافة المصادر المائية، بما في ذلك التقليدية منها، ومكافحة التلوث والتدهور الكمي والنوعي للمياه، وانجراف التربة للأحواض، وإصلاح المصارف في التجمعات السكانية، لضمان انسياب مياه الأمطار بدون تلوث، وكذلك مجالات تحجيم الآثار السيئة للتوسع السكاني والعمراني على الموارد المائية. كما تقنن الاستعمالات الترفيهية، بما فيها الأنشطة الرياضية المختلفة على المياه ونقلها، ومحطات الوقود ومخازنه، بالقرب من المصادر المائية، وإقامة الأنشطة السياحية وغيرها، لما لها من آثار سلبية على الموارد المائية.
وتتطلب هذه الميادين مراقبة بعض الأنشطة وتقييدها حماية للموارد المائية من سوء الاستخدام، وتقنين موضوع إعادة استعمال المياه العادمة، والآثار المترتبة عن الموارد المشتركة، ومجالات إعادة استخدام المياه العادمة وتقنينها، لضمان استعمالها بشكل آمن.
ولتفعيل هذه التقنينات، تم وضع جزاءات عقابية وغرامات رادعة، حسب خطورة استعمال هذه النوعية من المياه العادمة. كما تم وضع القوانين والتشريعات المناسبة لدرء آثار الأمراض المنقولة بواسطة هذه المياه.
2- القواسم المشتركة للتشريعات والقوانين المائية بين دول العالم الإسلامي
تشترك دول العالم الإسلامي في مجال المياه، في عدة مبادئ أساس يمكن إجمالها فيما يلي :
* تعدّ الموارد المائية، بشكليها السطحي والجوفي، ملكاً للدولة. ويتفق هذا المبدأ مع الشريعة الإسلامية والدساتير المعمول بها في العالم الإسلامي، مع بعض الاستثناءات، حيث ترتبط ملكية المياه في بعض الدول بالأعراف والتقاليد، أو بالأرض. وتعترف بعض الدول بالحقوق المكتسبة.
* تعدّ الدولة هي المسؤولة عن المنشآت المائية إلى جانب القطاع الخاص، فيما يتعلق بأعمال التصميم والتنفيذ والإدارة، بما في ذلك توزيع المياه على المنتفعين، وفق السياسة العامة.
* تتكلف بعض الدول بالمنشآت العامة، بينما يشرف القطاع الخاص على المنشآت الخاصة المتعلقة بالآبار السطحية؛ وشبكات الري في المزارع الخاصة، والسدود الصغيرة، وضخ المياه واستخراجها من الآبار، واستغلال الينابيع، والافلاج، ومحطات الضخ، وتحسين الينابيع الطبيعية، والآبار والفجارات.
* تتحكم التقاليد والأعراف في كيفية التعامل مع السيول، حيث يقوم السكان بإنجاز بعض السدود الترابية لدرء الفيضانات أو لغمر أراضيهم في بعض الحالات. ونظراً لندرة المياه في بعض دول العالم الإسلامي، بادرت بعضها إلى التدخل لتنظيم استثمار مياه السيول الكبرى.
* تخضع استعمالات المياه إلى ترخيص مسبق من طرف الدولة، ويكون الترخيص مشروطاً بعدة مقتضيات في بعض الدول.
3- القصور النسبي للقوانين المائية في دول العالم الإسلامي
يتبين من خلال الممارسة العملية لتطبيق القوانين المائية في دول العالم الإسلامي، أن بعض الاختلالات والثغرات، تحد من فعاليتها في العديد من المجالات والمواقع، يمكن إرجاعها إلى العوامل الآتية :
* تعدد الوحدات الإدارية العاملة في ميدان الموارد المائية وتعدد قوانينها أو نظمها. فإدارة الموارد المائية في دول العالم الإسلامي لم تعرف تطوراً ملموساً، بالمقارنة مع المجهودات الكبرى التي بذلت في ميدان الدارسات والتنقيب وبناء السدود، حيث مازالت تعرف تشتتاً وتداخلاً في الاختصاصات، سواء في مجال المراقبة والمحافظة على المياه، أو في مجال إنتاج الماء الصالح للشرب. وإن الضرورة والقواعد العلمية الحديثة تستوجب الاهتمام معاً بالجوانب التقنية والقانونية والتنظيمية، بغية إقامة إدارة مائية ناجعة وفعالة، قادرة على بلورة سياسة صارمة في ميدان تدبير الموارد المائية المحدودة في الزمان والمكان.
* الازدواجية والتناقض في كثير من القوانين، خاصة في المستويات المتداخلة بين الوحدات المكلفة بتدبير المياه، وعدم التعاون فيما بينها، وعدم تركيز مشاركة الجهات المانحة على تقديم دعم كبير لأسعار المياه بشكل عام.
* تعرف غالبية القوانين المائية تعثراً في التطبيق، مما ينعكس سلباً على قطاع المياه. ويتمحور ذلك أساساً في الترامي على الأراضي المجاورة للأنهار والأودية بالبناء العشوائي.. الذي تنجم عنه كوارث في حالة الفيضانات واستخراج الرمال من قيعان الأنهار والوديان، وتحويل مجاري المياه إلى مجاري تُلقى فيها النفايات والقاذورات والمياه العادمة المنزلية.
* عدم فعالية النصوص القانونية، رغم حداثتها وشموليتها، في مجال ردع المخالفات، بسبب غياب الآليات المقننة أو نقصها، أو عدم نجاعتها لتطبيق القوانين وكفاءة الجزاءات والعقوبات في ردع المخالفين. ونتيجة لذلك، فإن معظم مياه الصرف الصحي والصناعي تقذف في الأودية والبحار والمحيطات، دون معالجتها المعالجة اللازمة، مما يؤدي إلى تدهور نوعية المياه وتلوث البحار. ويمكن القول، إن القوانين والأنظمة الحكومية لا تستطيع بمفردها تغيير سلوك الناس إزاء إدارة شؤون المياه.
* سوء التنسيق بين الوحدات الإدارية في ممارستها التي تصل إلى حد المقاطعة في بعض الحالات، مما يفرض توفير تنسيق متين ملزم بين كافة الوحدات المعنية بإدارة المياه. وهذا التنسيق يرمي إلى إيجاد أرضية للتشاور، وتحقيق إطار للعمل بعيد عن المزاحمة والنزاعات، غايته الفعالية في إدارة المياه.
* عدم وجود الأجهزة الإدارية القادرة على مراقبة القوانين ومحاسبة من يخالفها. ويشكل تشتت مسؤولية شرطة المياه بين عدد من المتدخلين، سبباً رئيساً في عدم قيام هذا الجهاز بمهامه على أحسن وجه، حيث تتعرض الموارد المائية للتبذير، والاستنزاف، والتلوث، والتنقيبات العشوائية، وتدهور المنشآت المائية.
مما سبق، يتبين أن غالبية القوانين المائية في دول العالم الإسلامي تتضمن مقتضيات لحماية المياه وتنظيم مراقبتها، كما تنص على معالجة المياه المستعملة قبل صرفها في الوسط الطبيعي، غير أن الممارسة اليومية توحي بخلاف ذلك، إذ تتعرض المياه أكثر فأكثر للأذى (حالة سواحل بعض دول العالم الإسلامي ومجاري المياه الموجودة في بعض المناطق الصناعية...)، بل واستفحالها في بعض الأحيان مما يؤثر سلباً على جودة المياه.
* ضعف الوعي بأهمية الماء لدى غالبية مواطني دول العالم الإسلامي، مما يجعل نظرتهم إلى القوانين تتسم بالمعاداة في كثير من الأحوال. ويلاحظ أن استغلال الإعلام في هذا المجال يعرف قصوراً فعلياً، حال دون توعية المواطنين لتغيير سلوكاتهم تجاه استغلال المياه.
إن عدم تطبيق القانون، أو عدم استيعابه لكل الميادين المتعلقة باستعمال المياه، والمشاكل المترتبة عن هذه الاستعمالات، تعرقل تطوير المصادر المائية وترشيد استعمالها، نتيجة تعدد الجهات المسؤولة والتي يتعذر عليها غالباً ضمان حمايتها من التدهور والاستنزاف، خاصة عند انعدام السند القانوني.
4- القوانين والتشريعات الدولية لاستخدام الموارد المائية المشتركة وتنميتهاإذا كانت دول العالم الإسلامي تجمعها أواصر الأخوة، فإن اقتسام المياه على المستويين الوطني والدولي قد يؤدي إلى اندلاع نزاعات ومواجهات فيما بينها، نتيجة تدهور وضعية المياه والزيادة المتوقعة في الحاجة إلى استعمالها، خلال العقود المقبلة من الألفية الثالثة. ومن ثم، يمكن القول إن الماء الذي كان فيما مضى يخمد النيران، أصبح اليوم يثيرها ويشعلها. وقد يؤدي إلى نزاعات قد تتحول إلى حروب وصراعات خطيرة بين دول العالم الإسلامي أو مع جيرانها.
وعلى ضوء تعاليم الإسلام، فإنه من الممكن تحويل هذه النزاعات والاختلافات إلى وسائل تعاون أوسع بين دول العالم الإسلامي، من خلال إعداد مشاريع مائية مشتركة، للاستفادة منها وانتفاع دول المجرى المائي كل في إقليمها، بطريقة منصفة ومعقولة، قصد الانتفاع به بصورة مثلى ومستدامة. ويمكن أيضاً الحصول على فوائد منه على نحو يتفق مع الحماية الكافية للمجرى المائي، والحيلولة دون التسبب في ضرر للدول الأخرى وللمجرى.
وتشكل حالياً إدارة الأحواض المائية المشتركة بين دول العالم الإسلامي تحدياً كبيراً من أكبر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في الوقت الحاضر ؛ بل تشكل إحدى بؤر الصراع الدولي آنياً ومستقبلاً، بسبب زيادة الطلب على المياه. ومما يؤجج هذه الصراعات أو النزاعات أن أغلب الأحواض المائية والأنهار ومجاريها، تتوزع على أكثر من دولة، وتختلف طرق استثمار تلك الدول لهذه الموارد. فاستخدام مياه النهر المشترك، مثلاً في دول أعالي النهر، دون الاتفاق المسبق مع دول المصب، يؤثر على مدخلات حماية الموارد المائية في دول المصب، لأن اقتطاع المياه من أعالي النهر ينجم عنه تقليص المياه لسد مطالب دول المصب، بالإضافة إلى ورود مياه ذات نوعية غير مقبولة، بسبب كمية المياه الراجعة والتي تكون ذات نوعية رديئة. ومع نقص تصريف النهر، فإن التركيز الملحي الذي يتحقق في مقطع النهر يكون عالياً. ومن ثم، يكون التزام دول المجرى المائي بالتعاون، على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية، من أجل تحقيق الانتفاع الأمثل للمجرى المائي، وتوفير الحماية له في إطار تبادل البيانات والمعلومات والتشاور والتفاوض، بشأن الآثار المحتملة للتدابير المتخذة.
4-1 الأنهار :
يزداد الطلب على الموارد المائية في دول العالم الإسلامي بوتيرة عالية، توازي النمو السكاني والتطور الاقتصادي. كما أن أكثرية هذه الدول مقبلة على مشاكل مرتبطة بتزايد الطلب على المياه وندرتها. ويزداد الأمر تعقيداً عند اقتسام عدة دول المورد المائي نفسه. ويُعتقد أن الحروب المقبلة لن تكون بسبب خلافات سياسية، وإنما بسبب خلافات حول الموارد المائية.
ويعد حوض النيل، أكبر الأحواض المائية المشتركة في العالم الإسلامي، حيث تشترك فيه عشر دول. وتأتي أهمية هذا النهر، بالنسبة لمصر والسودان من كون مياهه تعتبر المصدر الأساس لمياه هذين البلدين، في حين أن الدول الأخرى المتشاطئة في هذا الحوض، تقع في المناطق الاستوائية ذات المعدلات المرتفعة من الأمطار. وتجري حالياً دراسة إطار قانوني موحد بين هذين البلدين، كخطوة للتوصل إلى اتفاقية عامة، تحفظ الحقوق التاريخية لكل دول الحوض، وفق اتفاقية جنيف.
كما تعد مياه حوض نهري دجلة والفرات، ذات أهمية بالغة لسوريا والعراق، واللتين تشتركان مع تركيا في النهر. وتعقد سوريا آمالاً كبيرة على تطوير نهر الفرات عند مروره عبر أراضيها، حيث تمثل مياهه بالنسبة لسوريا أكثر من 50 في المائة من مواردها المائية. أما في العراق، فإن مياه حوض نهري دجلة والفرات، يعدّ المصدر الرئيس للموارد المائية العراقية.
وتشكل قضايا تقاسم مياه نهر الغانج بين الهند وباكستان وبنغلاديش، وحوض نهري جوبا وشبيلي بين الصومال وإثيوبيا، وحوض نهر السنغال بين موريتانيا ومالي والسنغال، تحديات تشريعية كبرى لهذه الدول، تستوجب الدراسة والتنظيم والتقنين.
أما القضية المستعصية، فتنحصر في حوض الأردن، حيث تعدّ الموارد المائية لهذا النهر، ضئيلة نسبياً، إضافة إلى الشح الشديد في الموارد المائية للأطراف المتشاطئة، وإلى ارتباط هذه القضية بالوضع العام في المنطقة.
4- 2 الأحواض المائية :
يتوفر العالم الإسلامي على أحواض مائية متداخلة ومتشابكة. ويمكن إدراج بعض الأمثلة على ذلك، فأحواض بركة والقاش تشترك فيها السودان و اريتريا؛ ووادي مجردة بين الجزائر وتونس، وأودية تفنة والظهرة والدورة ودرعة بين المغرب والجزائر.
كما تواجه الموارد المائية في جنوب شرقي آسيا تهديدات، من قبيل التلوث واختناق البحيرات وتعرضها للغزو من طرف نباتات ضارة. وتبقى دول العالم الإسلامي في هذه القارة رهينة للطلب المتزايد على المياه، بسبب النمو السكاني المتزايد، الذي ينجم عنه بروز مشاكل التزود بالمياه الصالحة للشرب.
4-3 المياه الجوفية :
يلاحظ أن وضع المياه الجوفية في دول العالم الإسلامي وضع يسوده التفاهم والتعاون بين هذه الدول، حيث لا توجد نزاعات أو خلافات واضحة حولها، رغم تزايد استخدامات العديد منها. وتشترك مصر والسودان وليبيا في حوض الحجر الرملي النوبي، وأيضاً حوض الحمى المشترك بين أربع دول سوريا والأردن والسعودية والعراق، وحوض المنطقة الشرقية للجزيرة العربية بين سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة واليمن والعراق والأردن وسوريا والسعودية والبحرين وقطر. كما تشترك في أحواض شرق المتوسط كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. وهناك طبقة المركب النهائي بين الجزائر وتونس، وحوض تلودلي بين موريتانيا ومالي، وحوض الجزيرة العليا بين سوريا وتركيا، وحوض تندوف بين المغرب وموريتانيا. إلا أنه يجب على هذه الدول أن تعي حجم المخاطر التي قد تنتج في السنين المقبلة، عن الاستغلال المفرط للمياه العذبة ونضوب مصادرها وتلوثها، وتقادم شبكات توزيع المياه التي تتسبب في ضياع كميات كبيرة من المياه، وارتفاع الطلب عليها.
4-4 نقل المياه من أحواض الأنهار :
قد يكون القرن الحادي والعشرين "قرن المياه الجيوسياسية"، لأهمية تزايد التحكم في مصادر المياه العذبة في العالم، سياسياً وتكنولوجياً واقتصادياً. وستصبح الموارد المائية ثروة عالمية، وليس ثروة وطنية، تتحكم فيها دولة أو دول المنبع. وسوف تفرض دبلوماسية الكبار سياستها المائية والاقتصادية والاجتماعية على دول العالم.
وبالرغم من التحركات الدولية، بشأن السماح بنقل المياه من أحواض الأنهار إلى دول أخرى، إلا أن القواعد والأعراف والاتفاقيات الدولية مازالت تحظر ذلك، وتفصل بين أحواض الأنهار والأحواض السطحية، أو الهيدرولوجية.
ولمواجهة الأوضاع غير المستقرة للموارد المائية المشتركة في دول العالم الإسلامي، فإنه يتطلب بذل مجهودات كبيرة، حتى لا تتفاقم لدرجة يصعب تداركها. وإن أول السبل لدرء النزاعات هو التوصل إلى حلول، تتمثل في إبرام اتفاقات مشتركة ووضع سياسات موحدة للاستعمال المشترك، وتنمية هذه الموارد والحفاظ عليها، بما يضمن تزويد المواطنين بالمياه، كما يتعين على الدول المتشاطئة، التشاور مع بعضها، وإذا دعت الضرورة لذلك تكوين لجان مشتركة لفض الخلافات، أو النزاعات التي قد تحدث حول استخدام المياه بما يضمن الفائدة المشتركة للجميع.
5- الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول المتشاطئة
تشترك كثير من دول العالم الإسلامي مع دول أخرى، في أودية وأحواض مائية. وتعدّ الاتفاقيات التي يتم توقيعها لاستخدام المياه، أحد المصادر التي تؤخذ في الاعتبار، عند صياغة القوانين المائية في كل الدول. وينبغي للقوانين المائية في دولة معينة أن تكون منسجمة مع نصوص اتفاقيات أو معاهدات موقعة مع دولة أخرى متشاطئة على المورد المائي. ويعد هذا المرجع من أهم المراجع التي يتم الرجوع إليها لتفسير أو شرح بنود معينة، وقع الاختلاف بشأنها، أو لإيجاد حلول لقضايا ذات طبيعة حساسة. وقد ينجم عن التعارض بين القوانين الداخلية أو الإقليمية نزاعات بين الدول، قد تخرج عن نطاق سلطة الدولة المعنية.
وتضع الاتفاقيات الإقليمية المعايير وتسهل توزيع الأدوار، من أجل تدبير عقلاني أفضل للموارد المائية، على أساس الانتفاع والمشاركة المنصفة والمعقولة، في استخدام المجرى المائي الدولي، للانتفاع به بصورة مثلى، والالتزام بالتقيد بالعوامل ذات الصلة بالانتفاع المنصف والمعقول، وكذلك الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن، كما ترسخ ثقافة التشاور لإزالة الضرر أو تخفيفه والقيام بمناقشة مسألة التعويض الملائم، والالتزام أيضاً بالتعاون على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة، من خلال إحداث آليات أو لجان مشتركة لتيسير التعاون، في ضوء الخبرة المكتسبة للآليات واللجان المشتركة المعروفة دولياً. وهنا تبرز أهمية القوانين التي تساعد على صياغة الاتفاقيات حول الموارد المائية المشتركة، لخدمة جميع الدول المتشاطئة.
ويلاحظ أن مجال تطبيق القوانين المائية المشتركة ما زال يشوبه الكثير من العوائق، تخرج عن إرادة السلطات الوطنية ذات الصلة، ما دام أن التوصل إلى اتفاقيات حول استخدام المياه صعب المنال، ويتطلب وقتاً طويلاً من أجل الصياغة والمصادقة ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
وفي هذا الإطار، يتعين تفعيل المجلس الإقليمي للموارد المائية بمنطقة غرب آسيا المنبثق عن مؤتمر ماردبلاتا، واستنباط الآليات المؤسسية لتمكين هذا المجلس من القيام بالدور الرئيس الذي أنيط به لتسوية الخلافات ، واستشراف الخطط لتنمية الموارد المائية المشتركة لفائدة دول المنطقة.
وفي حالة عدم وجود اتفاقيات بين الدول المتشاطئة، فإن مبادئ القانون الدولي هي المرجع الأساس للحسم في استعمال الموارد المائية المشتركة.
5- 1 الاتفاقيات والمعايير الدولية :
وضع المنتدى الدولي القوانين والمعايير الأساس التي تنظم استعمال المياه المشتركة وترشيده، وحمايتها من التلوث، وصيانتها والمحافظة عليها، وعدم الإضرار بالآخرين، علماً أن الاتفاقيات الدولية ليست لها الصبغة الإلزامية المطلقة، إلا أنها تعدّ أحد المؤشرات التي قد تعين المشرع على إعداد قوانين للاستعمال الأمثل، لضمان استدامة عطائها ورفع فوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ويجدر التذكير، أنه في إطار الصورة التي تقدم بها "استراتيجية دبلوماسية الماء"، فإن الدول الغنية بالموارد المائية ستحرم من استغلاله أو استثماره، إلا في إطار دولي ينهض على أساس توزيع الثروة المائية على جميع سكان العالم بالعدل والتساوي.
5- 2 تسوية الخلافات أو النزاعات بطرق ودية :
ينص ميثاق الأمم المتحدة على تسوية الخلافات أو النزاعات القائمة بين الدول المتشاطئة لاستخدام الموارد المائية المشتركة، بالطرق السلمية بشكل يكفل الأمن والسلم العالميين.
وفي هذا الإطار، يتعين اللجوء إلى التفاوض والنقاش واستنباط آليات من أجل حل هذه الخلافات، من خلال تكوين لجنة مشتركة، قصد دراسة الموضوع من كل جوانبه، ووضع حلول من أجل تطويق المشكلة وتقديم اقتراحات. وقد تساعد المجهودات المنسقة والعمل المشترك على إيجاد الحلول للقضايا العالقة والشائكة التي تعرفها مناطق التوتر من خلال :
* التركيز على الأهداف التي وضعها إعلان الألفية حول الموارد المائية، وعلى مساعدة حكومات الدول النامية على تحقيق هذه الأهداف، بتوفير التكنولوجيا الملائمة والموارد المالية الضرورية، ودعم التعاون الإقليمي، والأخذ في الاعتبار الاتفاقيات والمبادرات القائمة.
* التأكيد على خصوصية كل مجرى مائي، وأنه ليس من الضروري وضع إطار عام منظم للمجاري المائية العابرة للحدود.
ومن أجل ضمان فرص النجاح للتسوية السلمية، فإن قواعد القانون الدولي تنص على أنه يتعين على كل دولة، تزويد الدول الأخرى المتشاطئة معها في الحوض المائي، بجميع المعطيات والبيانات المتعلقة باستعمالاتها لهذه الموارد المشتركة.
5-3 التحكيم :
إذا فشلت المفاوضات بين الدول المتشاطئة، في إيجاد حلول مناسبة وملائمة لأطراف النزاع عن طريق التفاوض واللجان المشتركة، قد تعرض القضية على جهة ثالثة للبت فيها. وإذا لم يتم التوصل إلى حل يرضي الجميع، يمكن عرض القضية على لجنة محايدة لتقصي الحقائق، أو لجنة تحكيم دولية، أو عرضها على أنظار محكمة دولية.
6- الإطار التنظيمي للموارد المائية في دول العالم الإسلامي
يتكون الهيكل التنظيمي للموارد المائية في دول العالم الإسلامي من مجموعة من الوحدات والأنظمة الفرعية التي تتباين من حيث الاختصاص ومن الناحية الجغرافية. فهناك مستويات متعددة، إلا أن هذه الوحدات تتداخل فيما بينها، حيث يعتمد كل عنصر من عناصرها على الوسائل التي تتوفر لدى الأخرى، للقيام بالعمليات التي تتطلبها المياه.
وتترابط هذه الوحدات أفقياً وعمودياً، كما أنها تنتظم في علاقات تبادلية، حيث لا يمكن عزل إحداها عن الأخرى، ومع ذلك فإن كل وحدة من هذه الوحدات تحتفظ بذاتيتها وخصائصها، وتعدّ جزءاً من الكل المتكامل من إدارة المياه.
إن التنظيم الإداري للموارد المائية في دول العالم الإسلامي لا يتكون من وحدات أو هيئات، تجمعت بالصدفة ولا رابط بينهما، لكن يعني بالدرجة الأولى أن الإطار التنظيمي العام للموارد المائية، يتكون من أجزاء يرتبط بعضها بالبعض، وأن كل وحدة من الوحدات تكمل الأخرى، لتوفير الماء في النهاية للاستهلاك والاستعمال.
وإلى جانب الوحدات الفاعلة والمكملة، توجد الوحدات الاستشارية لتقديم الاقتراحات وتنسيق مختلف أعمال الوحدات الفاعلة الأخرى، بغية الوصول إلى تدبير محكم، يجعل هذه الوحدات في الإدارة العامة من الأمور الجوهرية في إدارة التنظيم، سواء تعلق الأمر بتخطيط البرامج أو تنفيذها.
وتأخذ هذه الوحدات في دول العالم الإسلامي أشكالاً متنوعة، حيث تكون على شكل مجالس وطنية، أو على شكل لجان تتباين جغرافياً. وتضم إلى جانب المخططين والمشرفين على تدبير الموارد المائية، ممثلي المستعملين، وكذلك ممثلي المجتمع المدني.
إن تعدد استعمالات المياه وتفاوت النسب المخصصة بين القطاعات الإنتاجية والمنزلية في دول العالم الإسلامي، يجعل لكل وحدة أهدافاً خاصة ومتناقضة مع أهداف غيرها، وينعكس ذلك سلباً على تدبير الموارد المائية، التي أصبحت تتعرض لكثير من الشوائب أثناء استعمالها من طرف المنتفعين منها، مما حال دون ترشيد تدبيرها.
وحتى يمكن ترشيد إدارة الموارد المائية في العالم الإسلامي واستثمارها بطرق علمية وعصرية، فإنه يكون لزاماً تنحية هذه العوائق، من خلال العمل على توحيد إدارة الموارد المائية، وإيجاد جهاز كفء موحد، لتنظيم جميع مرافق المياه.
إن المقومات العلمية الحديثة لإدارة المياه تستند على التنظيم الجيد. ويتطلب إيجاد الصيغة التنظيمية الملائمة التي تعتمد على تحديد الوظائف للهياكل، وتوزيع الاختصاص بين كافة الوحدات، وتبني تخطيط فعال ومراقبة ناجعة لاستعمالات المياه والتعاون، بعيداً عن المزاحمة والمنافسة.
إن العناية بالمشاكل التقنية إلى جانب الاهتمام بالقضايا القانونية والتنظيمية، تعدّ هدفاً أساساً في تنمية الموارد المائية، حيث أصبح تكييف طرق تدبيرها مع مستجدات الإدارة العلمية الحديثة، أحد المقومات الرئيسة للإدارة الرشيدة، التي تتطلب الإشراف والتخطيط الموحد، للحفاظ على وحدة التدبير تمشياً مع وحدة المادة.