الأمثلة:
1ـ المنفردات والوحدات
وهناك رسالة صغيرة بهذا العنوان المنفردات والوحدات، ومعنى هذا أن هناك آيات متشابهة لكن واحدة منها كانت بصيغة معنية فاعرفها حتى تعرف ان ما سواها متطابق وهي الوحيدة التي انفردت بذلك كما في قوله عزّ وجلّ {وما أهل به لغير الله} هذه في البقرة وحدها تقديم {به} على {لغير الله} وفي باقي القران في المائدة وفي الانعام وفي النحل تأخير {به }.
ومن المنفردات أيضاً قوله عزّوجلّ {ويقتلون الأنبياء} في آل عمران وحدها وفي أكثر الآيات { النبيين } هكذا ستجد بعض المنفردات يمكن ان تميزها حتى تضبط وتتم الحفظ أو تتقنه.
وبعد أن تحفظ لك أن تسمع الضوابط والروابط بنفسك خذ الآيات التي فيها هذه المتشابهات وضعها أمام عينيك واجعل لها رابطا بحسب ما ترى مثلا أمر إبليس بالسجود ورد في مواضع كثيرة من القرآن ضع هذه الآيات أمامك وميز بينها بأي تمييز تراه يفيدك ويثبت في ذهنك وليس من شرط في هذا فالأمر واسع .
2 ـ مسألة المتشابهات
هناك كتب ألفها العلماء في ضبط هذه المتشابهات فجاءوا لك بالآية وشبيهها في موضع واحد ونبهوا على أن الفرق بين هذه وهذه هو هذا الحرف أو هذه الكلمة أو هذا التقديم أو هذا التأخير .
كونها جمعت في مكان واحد مساعد لك على استيعابها والتفريق بينها إضافة إلى ان العلماء رحمهم الله صنف بعضهم في هذه المتشابهات معلقا على الاختلاف بينها في المعاني فاذا عرفت المعنى لا شك انه سيثبت لك الفرق بين هذه الآيات
وعلى سبيل المثال كتاب [ فتح الرحمن في كشف ما يلتبس من القران ] لشيخ الإسلام أبي زكريا الأنصاري ، ومنها [ درة التأويل وغرة التنـزيل ] للخطيب الإسكافي ، ومنها [ أسرار التكرار في القرآن ] للإمام محمود بن حمزة الكرماني ، ومنها [متشابه القرآن ] لأبي الحسين منادى وغير ذلك .
أضرب مثالاً في قصة زكريا - عليه السلام - وقصة مريم في سورة آل عمران في أول قصة زكريا قال {كذلك الله يفعل ما يشاء } ، وفي قصةمريم قال : {كذلك الله يخلق مايشاء} ثم قال هناك يفعل ، وقال هنا يخلق ، هناك زكريا الزوج موجود والمرأة موجودة اللهم كبر السن ، فالأمر ليس مثل قصه مريم امرأة بلا زوج قال يخلق ما يشاء فهنا تستطيع أن تفرق بالمعنيين ، هذه القصة وتلك القصة فيثبت في ذهنك أن قصه زكريا فيها كذلك الله يفعل وفي تلك كذلك الله يخلق وهكذا .
ولنأخذ أمثله مما قد تضبطه بنفسك وتضع له قاعدة وحدك دون غيرك المسألة واسعة:
مثال في آل عمران في الآية (176-177-178) فـيـها {عذاب عظيم} والثانية بعدها {عذاب أليم} والثالثة بعدها {عذاب مهين} وجمعها في كلمة {عام } الاولى العين عظيم والالف اليم والميم مهين فتنضبط معك ، فإذا جئت إلى هذه الصفحة وانطلقت وأنت مطمئن لاخوف عليك أن تخلط بين هذه وتلك.
مثال آخر في المائدة {لبئس ما كانوا يعملون} بعدها مباشرة {لبئس ما كانوا يصنعون} بعدها في الصفحة التي بعدها {لبئس ما كانوا يفعلون} اجمعها في كلمة (عصف) ، الأولى عين يعملون ، الثانية صاد يصنعون ، الثالثة فاء يفعلون تنضبط معك ولا اشكال فيها باذن الله عزّ وجلّ .
ومثلا { وأرادوا به كيدا فجعلنهم الاخسرين } ، { فأرادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين } ميّز بينها ، الصافات فيها الفاء فأرادوا فيها فاء في { الأسفلين } فإذا الفاء تتبع الصافات ستبقى الأنبياء بالواو ، وبالآخسرين بدل الأسفلين ، وهكذا قس على هذا تجد أموراً كثيرة يمكن أن تجعلها في هذا النسق.
مثل { ولقد صرفنا للناس فـي هذا القران } ، وقوله عزّ وجلّ : { ولقد صرفنا في هذا القران للناس } ، الأولى في الإسراء فيها حرف السين فقدم ما فيه السين وهي للناس وقل : { ولقد صرفنا للناس في هذا القران } ، والثانية الكهف فيها الفاء قدم ما فيه الفاء وقل : { ولقد صرفنا في هذا القران للناس } ، وهكذا ضوابط معينه يمكن أن تستفيد منها.
أيضاً تقديم اللهو واللعب ( لهو ولعب لعب ولهو ) .
قال أحدهم ضابطاً لها :
و قدم اللهو علـى اللـعـب في **** الأعـراف قـل والعنكبوت ياصفي
مثل الرجفة مع الدار والصيحة مع الديار.
3 ـ فهم المعاني وتأملها
ومعرفة المعنى وفهم الآيات وتأمل مقاصد السور يعين على الربط خاصة السور القصيرة وقد يعينك موضوعها على أن تتصور التدرج في هذا الموضوع.
ففي سورة الرعد بدأ الله – عزّ وجلّ - بالآيات التي في السموات من عظيم خلقه ثم الآيات التي في الارض ثم بعد ذلك انتقل إلى موقف الكفار من هذه الآيات وانهم كفروا بالله عزّ وجلّ . ثم أنتقل إلى إقرار آخر في علم الله عزّ وجلّ.
واذا قرأت ما يعرف مقاصد السور أن تتصور هذه السورة بمقاطعها وأجزائها فتعينك على تصور تسلسلها بعض السور يعينك انها في القصص الطويلة مثلاً قصة يوسف سورة كاملة إذا عرفت القصة صورتها قطعا لن تقفز إلى حدث وتأتي بآياته قبل الحدث الأول
إذا كنت تعرف القصة وعرفت مضامينها فقلت في القصص الطويله مثل قصه يوسف وقصه موسى في بعض المواضع ممكن تصور القصه ان يعين على الربط بين آياتها ويعين ذلك ايضا في مثل السور التي فيها قصص لعدد كثير من الانبياء مثل قصه هود وقصه الاعراف والانبياء حاول ان تكتب قصص الانبياء مرتبه مثلا في الاعراف قصه نوح ثم عاد ثم صالح ثم ... الخ فاعرفها حتى إذا انتهيت من قصه النبي الأول وانت تقرأ عرفت أن بعده النبي الثاني فتبدأ .
وكما قلنا في وقفه تحتاج إلى دفعه فاجعل دفعتك ذاتيه دون ان تحتاج إلى من يدفعك أو من يلقنك ايضا الاجزاء والارباع ومبدأ السورة مطلع الجزء بداية الحزب أو الربع مهم جدا ويفيد فأنت تجعل لكل ربع مضموناً مثلاً تقول الربع الأول في البقره سيكون محفوظا الربع الثاني تقول هذا الذي فيه قصه ادم مثلا والملائكة مع ادم الربع الثاني قصه بني اسرائيل مع فرعون الربع الثالث قصه البقره فتجعل لكل ربع مثلا تصورا معينا أو مضمونا معينا يجعله حاضرا في ذهنك هذا
الربط المعنوي فيه صعـوبـة لكنه في الغالب مع المراس يتولد عندك شيء من هذا الربط .
4 ـ الربط العام
أن نربط الآيات بطريقة الحفظ التي ذكرناها ونربط السور والاجزاء ونعرف ترتيب السور وترتيب الاجزاء ومطالعها هذا يتم من خلال الطريقة التي أشرنا اليها في الحفظ والمراجعة .
النقطة الخامسة : فروقات واختلافات
لا شك ان الذي ذكرنا قواعد عامه وان الناس يتفاوتون في السن وفي الحفظ وفي سعه الوقت وفي القدره على الاحتمال ونحو ذلك هذا كله وارد في هذا الباب لكن قد ذكرت ما احسب انه يصلح للجميع
وقد اردت ان يكون التركيز في هذا على معنى الحفظ بحثا مجردا لاي احد صغيرا كان أو كبيرا موظفا أو طالبا في حلقه أو في غير حلقه منفردا أو مع مجموعه يمكن ان يفيد مما ذكرته من هذه المعلومات والطرق والملامح السريعة التي اشرت اليها لكن لهذه الفروقات جوانب منها .
اولاً : السن
الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر فاحفظ وانت صغير ان استطعت أما إذا كنت قد كبرت فلن تستطيع ان تصغر نفسك لكن عوض ذلك في ابنائك وانتفع به ان شاء الله فيهم فالحفظ في الصغر حفظ لذات الحفظ أو المضمون الحفظ لن أذكر للصغير متشابهات لانه لا يدرك هذا لن استطيع ان اشرح له معاني الآيات وتفسيرها هو سيحفظ حفظا ويرسم رسما هذا الحفظ هو الحفظ القوي المتين
كما يحصل الان في دراسات ومعاهد إسلامية على أن المناهج القديمة خاصة كالأزهر وغيره يحفظون في الازهر في الابتدائية في الاربع سنوات ألفية ابن مالك كل سنة مائتين وخمسون بيتا يحفظها الطالب لا يفهم منها شيئا ولا يعقل منها شيئا فاذا دخل المتوسطة كان المنهج المقرر شرح الفيه ابن مالك.
وبعض الناس يقولون لماذا نرهق ابنائنا في الحفظ في المدارس الابتدائية وأحدهم كتب في احدى الجرائد قائلا من قال لكم ان السور القصيرة سهله الحفظ ونقول لهم قول الله عزّ وجلّ (ولقد يسرنا القران للذكر لهل من مدكر)
فالحفظ هو الاساس في العلم ليس وحده لكن هو اساس المدخل تريد ان تفهم ، كيف تفهم ما لا تحفظ ، تريد ان تستشهد كيف تستشهد بما لا تحفظ ،تريد ان تدلل كيف تدلل على شيء لا تحفظه إلى آخر ذلك ن الحفظ امر اساسي لابد منه إذا أول شيء في الفروق والاختلافات مساله السن فاحرص على هذا السن .
ثانياً : الاوقات والشواغل
اختر الوقت الصافي الذي فيه صفاء من وجهين :
أولاً : صفاء الكوادر والشواغل .
ثانياً ان يكون صافياً أي خالصاً لفترة الحفظ .
لا تجمع معه غيره لا تحفظ وان تريد في وقت الحفظ ان تحفظ وتأكل أو تحفظ وترد على التليفون لا تفعل ذلك أبدا .
اجعل حفظا صافيا للحفظ وبعيد من الشواغل ،والأوقات تتفاوت بالنسبة للناس ولكن أفضل وقتين فيما أرى - والله أعلم - بواقع حياه الناس قبل النوم وبعد الفجر ، قبل النوم لن يكون عندك أحد ولن يأتيك أو غير ذلك ، لكن هو أهدأ الأوقات وبعد الفجر أيضاً من أهدئها وأعرنها على مثل هذا الأمر .
ثالثاً : برمجة الحفظ في وقتك
الناس يختلفون في اشغالهم ووظائفهم أو مدارسهم لكن هناك أمر لابد أن يستفاد منه وهو البرمجة ما يكون عندك من أمر له أهمية ضعه في برنامجك كما أنه لا تتصور أن يمضي يومك دون أن تصلي الفرائض الخمس أو يمضي يومك دون أن تنام أو دون أن تاكل أو عند بعض الناس دون أن يفعل شيئا من الاشياء التي تعوّدها ، فلا تجعل وقتك ويومك يمضي إلا وفيه البرنامج جزء من الوقت لهذا الامر يقل أو يكثر ، ولكن لا يزول بل يثبت .
أمثلة ونماذج من الحفاظ :
واذكر بعض الأمثلة الواقعية فليس هذا الكلام نظرياً ولا خيالياً بل هو واقعي في أعظم صور الواقعية واذكر لكم بعض الأمثلة من المعاصرين القدامى :
* ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار ذكر عن أحد المترجمين من القراء أنه حفظ القران في سن التمييز يعني في سن الخامسة ، قال : وجمع القراءات في العاشرة ، قال : وهذا قلّ في الزمان مثله وهذا يحصل ويقع وتجد بحمد الله عزّ وجلّ هذه الأمور واضحة وجليلة.
* والشيخ الدوسري - عليه رحمة الله - في ترجمته قال : وحفظت القران في شهرين اعتزلت فيها الناس وأغلقت علي مكتبي ولم أكن لأخرج الا للصلاة فحفظه في شهرين ستين يوماً .
* وانا أذكر لكم قصة رجل أعرفه وهو لا يزال موجود بيننا ، هذا شاب أصله من السودان كان والده يدرس في أمريكا ، وولد هو في أمريكا ودرس المرحلة الأولى الجامعية وأخذ الماجستير في الهندسة وشرع أيضاً في مرحلة الدكتوراه ، وكان في المسجد أو في المركز الاسلامي وبعض إخواننا ممن يسكنون معنا في هذا الحي ، وهو ممن يحفظ أكثر القران ومجود تجويدا جيداً وقراءته جميلة
فكان يؤمهم في الصلاة فلفت نظره ، يقول لي هذا الأخ - وهو هنا عندنا في جدة - يقول : ما كنت قد سمعت قراءة بمثل هذه الجودة ، ثم سألت فقيل إنه يحفظ عشرين أو خمس وعشرين ، قال ففكرت وقلت : إني مسلم ولا أحفظ شيئا من القرآن ولا أحسن تلاوته ، قال فعزمت أن أحفظ القران أوقف دراسته وأخذ إجازه وجاء إلى المملكة متفرغاً للحفظ يقول : يريد ان يحفظ ويتعلم بعض الأمور من الحديث وبعض الأمور الاسلاميه ، جاء اليّ مُرسلاً من هذا الأخ الذي هو جار لنا فوجدت عنده همة صادقه وعزيمة عالية
فما كان منه إلا أن ذهب إلى مكه في الحرم متفرغاً وبترتيب مع بعض المدرسين لعلهم أيضاً أعانوه على ذلك ، فأتم الحفظ في مائه يوم يعني ثلاثه أشهر وعشرة ، ثم جاء إلى هنا مرة أخرى ، وقال أعلم أن الحفظ السريع يحتاج إلى مراجعة فطلب أن يلتحق بمدرس حتى يراجع ويسمع فألحقته بأحد الحلقات عند أحد المدرسين الجيدين ، ومدرس آخر يدرسه التجويد ،وهو الآن يسمع ويواظب وينتظم لا يغيب يوماً واحداً ؛ لأنه ما جاء إلا لهذا وما فرغ وقته الا لهذا وما قطع دراسته إلا لهذا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع إسلاميات