يرى باحثون من نيويورك أنهم حلوا واحدا من الأسرار المتعلقة بالانفلونزا: لماذا ينتشر هذا المرض في أشهر الشتاء بشكل أساسي؟
والجواب حسبما قالوا يكمن في الفيروس نفسه. فهو يستطيع أن يبقى في الهواء فترة أطول حينما يكون باردا وجافا، وهما الشرطان المثاليان لموسم ينتشر فيه مرض الانفلونزا.
وقال بيتر باليس، الباحث في مجال هذه المرض والأستاذ ورئيس قسم الميكروبيولوجيا في كلية جبل سيناء في نيويورك، والمؤلف الأساسي لهذه الدراسة: «ينتقل فيروس الانفلونزا على الأكثر خلال فصل الشتاء إلى الأنفاق أكثر من الغرف الدافئة».
وظل الناس يتساءلون عن سبب الإصابة بعدوى البرد في الشتاء. والاسم «انفلونزا» هو كلمة إيطالية مثلما يشير بعض المؤرخين، وتعني «تأثير البرد».
يمتد فصل فيروس الانفلونزا عند خطوط العرض الشمالية من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مارس (اذار)، وهذه الأشهر هي الأبرد. بينما تصيب في المناطق الواقعة عند خطوط العرض الجنوبية ما بين مايو (ايار) وسبتمبر (ايلول). وفي المناطق الاستوائية ليست هناك إصابات كثيرة بالانفلونزا وليس هناك موسم حقيقي خاص بها.
وظلت النظريات المفسرة للإصابة في المواسم الباردة تتكاثر من دون تقديم دليل قاطع، فهناك من يقول إن السبب يعود إلى تقلص المناعة في الجسم بسبب قلة ما يصنعه من فيتامين «دي» حينما يكون النهار قصيرا، وآخرون عزوا الإصابة بالانفلونزا إلى اتجاه التيارات الهوائية في الفضاء الجوي الأعلى. لكن معظم العلماء لم يقتنعوا بها.
بالطبع، اساس الدراسة المثالية التي تمكن من الوصول إلى سر الإصابة بالانفلونزا هو من خلال تعريض اعداد مختلفة من الناس إلى الفيروس ضمن شروط مختلفة ثم الاستفسار عن كيف أصيبوا. ومثل هذه التجارب كما قال الدكتور باليس لن يُسمح لها لأنه لن تكون هناك أي فائدة للأفراد المشاركين في هذه التجارب.
من جهته قال الدكتور جوناثان ماكوليرز الباحث في مجال الانفلونزا في مستشفى بحوث أمراض الأطفال في ممفيس: «نحن نعرف أن أكبر العوامل في الإصابة هو وجود الأطفال في المدارس. فأكثر الأوبئة يتم تقصيها ما بين الأطفال. لكن ذلك لا يفسر سبب الإصابة في فصل الشتاء. نحن لا نرى الانفلونزا في شهري سبتمبر واكتوبر».
عثر الدكتور باليس على حل بدا أفضل ما يمكن الحصول عليه.. فخلال قراءته لبحث قدم في عام 1919 بمجلة الجمعية الطبية الأميركية حول وباء الانفلونزا الذي أصاب معسكر كودي في نيو مكسيكو قرأ هذه الفقرة: «من الطريف ملاحظة أن وباء الانفلونزا بعد وصوله إلى هذا المعسكر بفترة قصيرة بدأت خنازيرنا الغينية تنفق». وعزا مؤلفو ذلك البحث أولا سبب الموت الى التسمم بالطعام ثم اكتشفوا من خلال تشريح جثة خنزير غيني عن علامات الإصابة بالتهاب رئوي.
اشترى الدكتور باليس عددا من الخنازير الغينية ثم عرّضها إلى فيروس الانفلونزا، مثلما اقترح البحث السابق، فأصيبت بالمرض ثم راحت تتناقله فيما بينها. عند ذلك بدأ الدكتور باليس وفريقه بتجاربهم.
بتغيير درجة حرارة الهواء ودرجة الرطوبة اكتشف الباحثون أن العدوى المثالية تجري في درجة 5 مئوية (تقريبا) وتتقلص الإصابة حينما تبدأ درجة الحرارة بالارتفاع وعند وصولها إلى حوالي 27 مئوية، تتوقف العدوى تماما.
كذلك تطلق الحيوانات فيروسات لفترة تزيد بيومين في درجة 5 مئوية عن غرفة مثالية درجة حرارتها تصل إلى حوالي 18 مئوية.
وتنتشر فيروسات الانفلونزا عبر الهواء بعكس فيروسات البرد. حيث أنها تنتقل ـ حسبما يقول الدكتور باليس ـ عبر التماس المباشر للسطوح بعد ان يكون مسها شخص مصاب بالبرد أو مصافحة شخص مصاب بالبرد على سبيل المثال.
وتكون فيروسات الانفلونزا اكثر استقرارا في الهواء البارد، والرطوبة القليلة تساعدها على البقاء في الهواء. وهذا بسبب أن الفيروسات تعوم في الهواء في قطيرات التنفس حسبما قال الدكتور باليس. وحينما يكون الهواء رطبا تمتص هذه القطيرات ماء وتصبح أكبر فتسقط على الأرض.
لكن الدكتور باليس لا يقترح أن البقاء في بيت دافئ كل الشتاء يجنب الوقوع بين براثن فيروسات الانفلونزا. وأفضل استراتيجية هي التلقيح ضد الفيروس.
وليس واضحا سبب إطلاق الحيوانات المصابة فيروسات لفترة أطول في درجات الحرارة الواطئة. ولم يكن هناك أي فرق ما بين رد نظام المناعة لكن هناك امكانية ان طبقات شعبها الهوائية العليا هي أدفأ وهذا ما يجعل الفيروس يقيم هناك في ظرف أكثر استقرارا.
وقال الباحثون في مجال الانفلونزا إنهم مسرورون للحصول على معلومات صلبة أخيرا حول طابع ازدهار الانفلونزا الموسمي. وقال الدكتور تيرنس تمب استاذ الميكروبولوجيا في ماركز السيطرة على الأمراض والمناعة: «إنه إنجاز كبير وهو عمل نحن في حاجة إليه».
وقال الدكتور ماكوليرز: «إنه بحث مشوق حقا، وهو أول مقاربة علمية للإجابة عن سؤال كلاسيكي بقينا نناقشه لسنوات».